الامور رأساً على عقب ، بحيث يضحى الخطأ صواباً في الواقع الأخلاقي والفكري لدى النّاس.
وفي «الآية الخامسة» : يوجد موضوع جديد بالنّسبة لِدَور العادات والسّنن في تحول القيم الأخلاقيّة ، وهو : أنّ قوم لوط الذين سوّدوا وجه التّأريخ بأفعالهم الشّنيعة ، (ولِلأسف الشّديد ، نرى في عصرنا الحاضر ، أنّ الحضارة الغربيّة أقرّت تلك الأفعال على مستوى القانون أيضاً) ، فعند ما دعاهم لوط عليهالسلام ، والقلّة من أصحابه ، إلى التّحلي بالتّقوى والطّهارة في ممارساتهم وأفعالهم ، تقول الآية أنّهم إغتاظوا من ذلك بشدّةٍ : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
فالبيئة الملوّثة ، والسّنن الخاطئة والثّقافة المنحطّة أثّرت فيهم تأثيراً سلبياً ، ممّا حدى بهم إلى إعتبار الطّهارة والتّقوى جنايةً ، والرّذيلة والقبائح من عناصر العزّة والإفتخار ، ومن الطّبيعي ، فإنّ الرذائل تنتشر بسرعةٍ في مثل هذه البيئة ، التي تعيش أجواء الإنحطاط والخطيئة ، وتندرس فيها الفضائل كذلك.
«الآية السادسة» : تقصّ علينا قصّة وأدِ البنات الُمريعة في العصر الجاهلي ، ولم يكن سبب ذلك سوى تحكيم الخُرافات والسّنن الخاطئة في واقع الفكر والسلوك لدى الأفراد ، فقد كانت ولادة البنت في الجاهليّة عاراً على المرء ، وإذا ما بُشّر أحدهم بالانثى يظلّ وجهه مسودّاً من فرط الألم ، والخجل ، على حدّ تعبير القرآن الكريم (١) : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ).
ولا شكّ أنّ القتل من أقبح الجرائم ، وخصوصاً إذا كان القتيل طفلاً وليداً جديداً ، ولكن
__________________
١ ـ قال بعض المفسّرين : بناءً على العلاقة الوثيقة بين القلب والوجه ، فإذا ما فرح الإنسان ، يتحرك الدّم الشّفاف نحو الوجه ويصبح الوجه مضيئاً ونورانياً ، وعند ما يهتم ويغتم الإنسان فإنّ الدورة الدموية تقل سرعتها ويصفّر الوجه ويسود ، وتعتبر هذه الظاهرة ، علامةً للفرح أو الحُزن : (تفسير روح المعاني ... ذيل الآية الشريفة).