المعاندين ، الذين لا يحبون النّاصحين :
(وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
ومرةً اخرى نسب ذلك الفعل للأصنام ، فيقول الله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(١).
واخرى (وكما ورد في الآية التي هي مورد بحثنا الآن) ، ورد بصورة الفعل المبني للمجهول :
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً).
وبنظرةٍ فاحصةٍ نرى ، أنّ هذه التّعابير لا تتقاطع فيما بينها ، بل أحدها يكمّل الآخر ، فمرةً تكون الزّينة عاملاً على تكرار العمل ، فالتّكرار يُقلّل من قبح العمل ، ويصل إلى مرحلةٍ لا يحسّ معها بالذّنب ، وبالإستمرار يحسُن في نظر صاحبه ، فيُقيّده ولا يستطيع التّحرر من ذلك الفخ ، الذي نُصب له ، وهي حقيقةٌ يمكن للإنسان أن يلمسها ، بالتتّبع والنّظر لحال المجرمين.
وفي موارد اخرى ، فإنّ الوساوس الشّيطانية الخارجيّة ، والوساوس الباطنيّة النفسيّة ، تزيّن للإنسان سوء عمله ، ويصل الأمر به إلى إرتكاب الكبائر ، بحجة أنّه يؤدّي واجبه الدّيني فيغتاب شخصاً ما ، بدون ذنبٍ وهو يتصور أنّه على حقٍّ ، ولكن الحسد في الواقع هو الذي يدفعه الى ذلك ، والتأريخ مليءٌ بمثل هذه الجنايات الفظيعة ، فوساوس النّفس والشّيطان لا تعمل على التّستر على قبح العمل فقط ، بل تجعله من إفتخاراته.
وربّما يعاقب الباري تعالى ، أشخاصاً لعنادهم ، وعدم قبولهم النّصحية ، ولا يكون العقاب إلّا بتزيين سوء عمل الإنسان ، لتشتدّ عقوبته ويفتضح أكثر فأكثر.
ويجب التّنويه ، إلى أنّه وطبقاً للتّوحيد الأفعالي ، فإنّ كلّ عملٍ وأثرٍ موجودٍ في هذا العالم ، يمكن أن يُنسب إلى الله تعالى ، لأنّ ذاته المقدّسة هي علّةٌ العلل ، ولا يعني هذا الأمر أنّ الأفراد قد اجبروا على أفعالهم ، فالحمد لله الذي جعل القوّة والقدرة على الفعل ومنَحها لِعباده ، واللعنة على الذين يستعملون تلك القوّة في دائرة الشر والذّنوب.
وربّما تقتضي طبيعة الأشياء ، التّزيين والزخرفة ، فنقرأ في الآيه (١٤) من سورة آل عمران :
__________________
١ ـ سورة الأنعام ، الآية ١٣٧.