كلّ يوم أو كلّ شهر أو كلّ سنة ، فَلْينظر الإنسان ما ذا قدّم من أعمالٍ حسنةٍ ، أو إرتكب من أعمالٍ قبيحةٍ ، ويُفكر في ما بَدَر منه ، من طاعةٍ أو عصيانٍ لله تعالى ، أو لهوى النّفس. فيحاسب نفسه حساباً عسيراً ، كالتّاجر الذي يحسب فوائده وعوائده من تجارته التي إتّجر بها ، وهل عادت عليه بالنّفع أم الضرر؟. فكذلك السّائر إلى الله تعالى في خطّ الإيمان والتوبة ، عليه أن يُحاسب نفسه بأدقّ ممّا يفعله التاجر مع أمواله وتجارته.
والُمحاسبة للدين أو للدنيا ، لا تخلو من فائدتين : إذا بيّنت الفاتورة ، الرّبح الوفير ، فَهو دليلٌ على صحّةِ العمل والدّوام عليه ، وإذا ما بيّنت العكس ، فهو الدّليل على الخطأ والخطر ، فربّما تلاعب أحد موظّفيه ، أو خانه بالإختلاس وما شابهها من الامور ، فعليه الإسراع في التثبّت والتّفحص والإصلاح.
وتخبرنا الآيات الكريمة ، عن وجود النّظم والحسابات الدقيقة في عالم الوجود ، وتدعو الإنسان للتّفكر فيها جيّداً ، ومنها : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ)(١).
ونقرأ في آيةٍ اخرى : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ)(٢).
وكذلك : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(٣).
ومن جهةٍ اخرى ، نجد أنّ القرآن الكريم ، قد أخبر في آياتٍ متعددةٍ ، عن وجود حسابٍ دقيقٍ في يوم القيامة ، كما ذكر على لسان لُقمان الحكيم لإبنه : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)(٤).
وكذلك : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(٥).
__________________
١ ـ سورة الرّحمن ، الآية ٧ و ٨.
٢ ـ سورة الرّعد ، الآية ٨.
٣ ـ سورة الحِجْر ، الآية ٢١.
٤ ـ سورة لقمان ، الآية ١٦.
٥ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٨٢.