تخلّفوا في غزوة تَبوك ، وأمر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، الناس بمقاطعتهم في كلّ شيءٍ ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، فعاقبوا أنفسهم على فعلتهم ، وإنشغلوا بالتّوبة ، وإنعزلوا عن الناس بالكامل ، وبعد مدّة تاب الله تعالى عليهم ، ونزلت الآية الكريمة : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١).
فجملة : «وضاقت عليهم أنفسهم» ، ربّما تكون إشارةً إلى مسألة : «معاقبة النّفس» ، بالعزلة التي إختاروها لأنفسهم ، فقبلها الباري تعالى منهم ، وَورد في شأن النّزول للآية (١٠٢) من سورة التوبة : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فهي تشير إلى قصة : «أبو لُبابة الأنصاري» ، وهو أحد أصحاب النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ولكنّه تهاوَن عن نَصرة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، في غزوة تَبوك ، وبعدها ندم أشدّ الندم ، فأراد أن يُكفّر عن فِعلته ، فذهب إلى مسجد النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وربط نفسه إلى أحد أعمدته ، وأقسم أنّ لا يطلق نفسه إلّا بموافقة الله ورسوله ، أو يتوب الله تعالى عليه ، فبقي على هذه الصورة حتى تاب الله تعالى عليه ، ونزلت الآية ، وصرّحت بقبول الله تعالى لِتوبته.
ومن الواضح ، أنّ أبا لُبابة كان قد تحرك من موقع مُحاسبة النفس ، ومُعاقبتها على فِعلتها ، وهو دليلٌ على أنّ السّير والسّلوك إلى الله تعالى ، كان موجوداً على عهد الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله.
وأمّا جملة : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) ، فهي أيضاً ربّما تكون إشارةً لذلك المعنى أيضاً ، وأَتحفتنا الرّوايات أيضاً ، وأرشدتنا إلى موضوع بحثنا ، ومنها :
١ ـ ما ورد عن علي عليهالسلام ، أنّ قال في أوصاف المتّقين ، في نهج البلاغة :
«إِن اسْتَصْعَبَتْ عَلَيهِ نَفْسُهُ في ما تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِها سُؤلَها فِي ما تُحِبُّ» (٢).
والمقصود منه ، أن يمنع نفسه في حالة جموحها ، من النوم والرّاحة والأكل والشّرب ،
__________________
١ ـ سورة التوبة ، الآية ١١٨.
٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٣.