أمرها ، وهذا ما تُحدِّثنا به الآيات التالية : «فَأَجَاءَهَا الْمخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً* فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَني قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً* وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً* فَكُلِي وَاشْرَبي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولي إِنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً» (١).
وإختلف المفسّرون في الذي نادى مريم عليهاالسلام ، فقال بعضهم : إنّه جِبرائيل عليهالسلام ، وسياق الآية قرينةٌ على هذا المعنى ، وقال البَعض الآخر ، كالعلّامة الطّباطبائي رحمهالله ، إنّه إبنها عيسى عليهالسلام ، وكلمة : «من تحتها» ، تناسب هذا المعنى ، لأنّه كان بين أقدامها ، علاوة على أنّ أغلب الضّمائر في الآية الشّريفة ، تعود على المسيح عليهالسلام ، وتَتَناسب أيضاً مع كلمة «نادى» ، وعلى كلٍّ فإنّ مَحَطَّ نظرنا ، هو الأمرُ بنذر السّكوت ، فأيّاً كان المُنادي ، جبرائيل عليهالسلام ، أو المسيح عليهالسلام ، فإنّ المهم هو ، أنّ ذلك النّذر ، يفضله ويرجحّه الباري تعالى ، وخصوصاً أنّ ذلك الأمر ، كان سائداً في وقتها ، وهو من الأعمال التي يُتقرّب بها إلى الله سبحانه وتعالى ، فلذلك لم يعترض على مريم عليهاالسلام أحد ، بالنّسبة إلى هذا العمل بالذّات.
ويوجد إحتمالٌ آخرٌ لصوم مريم عليهاالسلام ، وهو الصّوم عن الطّعام والشّراب ، بالإضافة لصوم السّكوت.
أمّا في الشّريعة الإسلاميّة ، فإنّ صوم السّكوت حرام ، لتغيّر الظّروف المكانيّة والزمانيّة ، وقد وَرد عن الإمام علي بن الحسين السّجاد عليهالسلام ، أنّه قال : «وَصَومُ الصَّمتِ حَرامٌ» (٢).
وَوَرد في نفس هذا المعنى في حديثٍ آخر ، في وصايا النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، إلى الإمام علي عليهالسلام (٣).
وَوَرد عن الإمام الصّادق عليهالسلام ، أنّه قال : «وَلا صَمْتَ يَوماً إِلَى اللّيلِ» (٤).
والطّبع ، فإنّ من آداب الصّوم عندنا ، هو المحافظة على اللّسان وباقي الجوارح من الذّنوب ، قال الإمام الصادق عليهالسلام في هذا الصّدد : «إِنّ الصّومَ لَيسَ مِنْ الطّعامِ والشَّرابِ وَحْدَهُ إِنَّ مَريَمَ
__________________
١ ـ سورة مريم ، الآية ٢٣ إلى ٢٦.
٢ ـ وسائل الشيعة ، ج ٧ ، ص ٣٩٠ ، باب تحريم صوم الصّمت.
٣ ـ المصدر السابق.
٤ ـ المصدر السابق.