قَالتْ إِنّي نَذَرتُ لِلرَّحمانِ صَوماً أي صمْتاً فَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُم وَغُضُّوا أَبْصارَكُم» (١).
ومن هذه الآية والرّوايات الشّريفة ، التي وردت في تفسيرها ، تتبيّن أهميّة وقيمة السّكوت ، في خطّ التّربية والتّهذيب.
وفي الآية (١٠) من نفس السورة ، توجد إشارةٌ اخرى لفضيلة السّكوت ، وذلك عند ما وهب الباري تعالى يحيى عليهالسلام ، لنبيّه الكريم زكريّا عليهالسلام ، فخاطب الباري تعالى ، وقال : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ، فقال له : (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) ، ولا تحركه إلّا بذكر الله.
وصحيح أنّ هذه الآية لم تَحمد ولم تَذم السّكوت ، ولكن قيمة السّكوت تتّضح ، من جعله : آيةَ النّبي زكريا عليهالسلام.
وورد نفس هذا المعنى ، في الآية (٤١) من سورة آل عمران ، فبعد تلقّيه البشارة من الباري تعالى ، طلب أن يجعل له آيةً في دائرة تقديم الشّكر للباري تعالى ، فقال له : (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً).
وإحتمل بعض المفسّرين ، أنّ إمتناع زكريا عليهالسلام عن الكلام ، كان بإختياره ولم يكن مجبوراً عليه ، والحقيقة أنّه كان مأموراً بالسّكوت لمدّة ثلاثة أيّام.
يقول الفَخر الرّازي ، نقلاً عن «أبي مسلم» : أنّ هذا النحو من التّفسير جميلٌ ومعقولٌ ، لكنّه مخالفٌ لسياق الآية ، فزكريّا عليهالسلام طلب آيةً لمّا بُشّر بيحيى ، والسّكوت الإختياري لا يكون دليلاً على هذا المعنى ، إلّا بتكلّف وتحميل على المفهوم من الآية الشّريفة.
وعلى أيّةِ حال فإنّ هذا الاختلاف في تفسير الآية ، لا يُؤثّر على ما نحن فيه ، لأنّ غرضنا من إيراد هذه الآيات ، هو التّنويه بقيمة السّكوت في القرآن الكريم ، بإعتباره آيةً من الآيات الإلهيّة.
__________________
١ ـ نور الثّقلين ، ج ٣ ، ص ٣٣٢.