وقد جاء في شأن النّزول للآيات الاولى من هذه السّورة الشّريفة ، وقبل فتحِ مكّة المشرّفة أنّه كتب أحد الأشخاص ، إسمه «حاطِب بن أبي بلتعة» ، لكفّار قريش رسالةً سلّمها بيد إمرأةٍ ، إسمها «سارة» ، حذّرهم فيها ، من أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يعدّ العدّة لفتح مكّة ، فعليهم أنّ يستعدّوا لِلقتال ، فإنّ الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، قادم.
حدثِ هذا الأمر ، والرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، يتهيأ ويعدّ العدّة ، وهو يسعى حثيثاً لِئَلّا يصل هذا الخبر إلى المشركين ، حرصاً منه على أن لا تُراق في ذلك دماءٌ كثيرةُ ، وأن يتمّ الفتح بدون مقاومة ، فأخذت هذه المرأة الرّسالة ، وأخفتها في جَدائلها ، وتحرّكت مسرعةً نحو مكّة.
فأخبر الأمين جبرائيل عليهالسلام ، الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بالخبر ، فأرسل على أثرها الإمام علي صلىاللهعليهوآله ، وقال لها : أخرجي ما عندك ، فأنكرت في البداية ، ولكنّها إستسلمت أخيراً تحت واقع التّهديد بالقتل ، وسلّمت الرّسالة لِعلي عليهالسلام ، وهو بدوره سلّمها لِلرسول الكريم صلىاللهعليهوآله.
فأمر صلىاللهعليهوآله بإحضار حاطِب ووبّخه كثيراً ، فإعتذر حاطب عن فعلته بأعذارٍ واهيةٍ ، لكنّ الرسول صلىاللهعليهوآله قبلها صوريّاً ، فما ورد في الآيات الاولى ، من السّورة هو تحذيرٌ للمسلمين ، لإجتناب مثل هذه الأعمال ، وبيان واحدٍ من الاصول والمباديء الإسلاميّة المهمّة ، على مستوى التّبري من الأعداء وموالاة الأولياء ، أو كما قِيل : «الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ».
وفي بداية السّورة ، تحرّكت الآية الكريمة لتخاطب جميع المؤمنين ، من موقع التّحذير ، من إقامة العلاقة الودّية والعاطفيّة مع الأعداء ، وقالت :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ).
ونعلم أنّه عند ما تتقاطع أواصر «المحبّة والصّداقة» مع أواصر ««العَقائد والقِيم» ، فالنّصر سيكون حليف أواصر المحبّة والصّداقة ، على حساب إهتزاز العقيدة ، وبذلك ينحدر الإنسان في خطّ البّاطل ، فما نراه من التّأكيد على : «الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ في اللهِ» ، أو تولّي الأولياء والتّبري من الأعداء ، نابعٌ من هذا الأساس.
ثمّ تستمر الآيات ، «وبالذّات في الآية الرابعة» ، على حثّ المسلمين على الإقتداء بإبراهيم