يحتمل أنهم سألوه أن يبدل أحكامه على ترك رسمه ونظمه.
ويحتمل قوله : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) أي : ارفع رسمه ونظمه وأحكامه ، كأنهم ادعوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم اختراع هذا القرآن من نفسه واختلاقه من عنده ، فقال : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) تأويله ـ والله أعلم ـ : لو شاء الله ألا يظهر دينه فيكم ولا [ألزمكم حجته](١) ولا بعثني إليكم رسولا ، (ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) و (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أي : ولا أعلمكم به.
ويحتمل قوله : (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) : ولا أعلمكم ما فيه من الأحكام ، أو يقول : لو شاء الله لم يوح إلي ، ولا أمرني بتبليغ ما أوحي إلي إليكم ، ولا بالدعاء إلى ما أمرني أن أدعوكم إليه.
وفي قوله : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) [دلالة أن الله إن شاء شيئا كان وما لم يشأ لم يكن لأنه أخبر أنه لو شاء ما تلوته عليكم](٢) فلو لم يشأ أن يتلوه ما تلاه ؛ دل أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وذلك يرد على المعتزلة قولهم : شاء الله أن يؤمن الخلائق كلهم لكنهم لم يؤمنوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي : فقد لبثت فيكم عمرا من قبله فلم أدع ما أدعى للحال ، ولا تلوت ما أتلو ، أفلا تعقلون أنى لم أخترع هذا من نفسي ، ولكن وحي أوحي إلى؟! إذ لو كان اختراعا مني لكان ذلك مني فيما مضى من الوقت وكنت لا بسا فيكم ، فإذ لم يكن مني ذلك أفلا تعقلون أني لم أخترع من نفسي؟!
يحتمل هذا الكلام وجوها :
أحدها : أنهم لما ادعوا عليه الاختراع من عنده قال : إني قد لبثت فيكم من قبله ، أي : [من](٣) قبل أن يوحى هذا إلي ، فلم تروني خططت بيميني ، ولا اختلفت إلى أحد في التعلم والدراسة ، فكيف أخترع من عندي ؛ إذ التأليف (٤) لا يلتئم ولا يتم إلا بأسباب تتقدم؟!
والثاني : فقد لبثت عمرا سنين لم تعرفوني ولا رأيتموني كذبت قط ، فكيف أفتري على الله تعالى وأخترع القرآن من عند نفسي؟! ألا ترى أنه قال على إثر هذه : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
__________________
(١) في أ : ألزمه حجة.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : والتأليف.