ما لا يضرهم لو تركوا عبادته ولا ينفعهم إن عبدوه.
والثاني : (ما لا يَضُرُّهُمْ) أي : ما لا يملكون الضرر بهم ، (وَلا يَنْفَعُهُمْ)(١) أي : ولا يملكون جر النفع إليهم يسفههم في عبادتهم من لا يملك بهم دفع الضرر ، ولا يملك جر النفع ، وتركهم عبادة من به يكون جميع منافعهم وعذابهم ، ومنه يكون كل خوف وضرّ ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) : يحتمل هذا القول منهم تقليدا لآبائهم ؛ كقولهم : (وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ظنوا أن آباءهم لما تركوا وما هم عليه لم يعذبوا ـ أنهم على الحق ، وأن الله قد رضي بذلك ، أو قالوا ذلك لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله والقيام بخدمته ، وقد يكون مثل هذا في ملوك الأرض أن كل أحد لا يرى نفسه يصلح لخدمة الملك ، فيخدم من دونه المتصلين به رجاء أن يكون من خدمه شفيعا له عند الملك ؛ فعلى ذلك هؤلاء طمعوا أن عبادتهم هؤلاء تقربهم إلى الله زلفى ، ويكونون لهم شفعاء عند الله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) يقول : أتنبئون الله [أي أتخبرون الله](٢) بما لا يعلم ، أي : تعلمون أنه عالم ، أي : أتعلمون من تعلمون (٣) أنه يعلم ما ذكر وأنتم لا تعلمون ذلك ، وقد تعلمون أنه لو كان كذلك لكان هو أعلم به منكم.
والثاني : أن تقولوا ما لا يعلم ، أي : يعلم أنه ليس كما تقولون كقول الناس : ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون ، أي : ما شاء ألا يكون لا يكون (٤).
وقوله : (سُبْحانَكَ) : كلمة جعلت لإجلال الله عما يحتمله غيره من الأشكال والأضداد ، ومن العيوب والآفات ، وهو في هذا الموضع يتوجه إلى وجهين إذ كانوا يعبدون ما ذكر ويقولون : هم شفعاؤنا عند الله ، فيقول : سبحانه أن يجعل لأمثال أولئك
__________________
(١) زاد في ب : لو تركوا عبادته.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : يعلمون.
(٤) والمعنى : أتعلمون الله بالأصنام ، التي لا تعلم شيئا في السموات ولا في الأرض. وإذا ثبت أنها لا تعلم ، فكيف تشفع؟! والشافع لا بد وأن يعرف المشفوع عنده ، والمشفوع له ؛ هكذا أعربه أبو حيان ، فجعل «ما» عبارة عن الأصنام ، لا عن الشفاعة ، و «ما» في (عَمَّا يُشْرِكُونَ) يحتمل أن تكون بمعنى : «الذي» أي : عن شركائهم الذين يشركونهم به في العبادة ، أو مصدرية ، أى : عن إشراكهم به غيرهم. وقرأ الأخوان ـ حمزة والكسائي ـ هنا : (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، وفي النحل موضعان.
ينظر اللباب (١٠ / ٢٨٦).