بقولهن : (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) ، أي : إنكن لمتنني فيه أني أراوده عن نفسه ، وأنتن قطعتن أيديكن إذ رأيتنه ، وأنكرتن أن يكون هذا بشرا ؛ فذلك أعظم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ).
أي : دعوته إلى نفسي فاستعصم ؛ قيل : امتنع ؛ كقوله : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : ٤٣] أي : لا مانع ، ويشبه قوله : استعصم بالله أو بدينه أو نبوته أو بعقله ، هذا يدلّ على أنه لم يكن منه ما قال أهل التأويل من حلّ السراويل ونحوه ؛ حيث قالت : (فَاسْتَعْصَمَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ).
قالت ذلك امرأة العزيز.
(لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ).
يشبه أن يكون قولها (١) : ليسجنن وليكونن في السجن (٢) من الصاغرين ، أو ليسجنن وليكونن من المذلّين الصّاغرين : هو (٣) : الذليل لأنه قال لامرأته : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ، فكان مكرما عندها معظما ؛ فلما أبي ما راودته فقالت : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي : من الذليلين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ).
فيه دلالة أنه قد كان منهن من المراودة والدعاء ما كان من امرأة العزيز من المراودة والدعاء إلى نفسها ؛ حيث قال : (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ؛ ألا ترى أنه قال في موضع آخر : (ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) [يوسف : ٥١] ، [وكذلك قالت امرأة العزيز : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي : كنتن لمتنني فيه أني راودته عن نفسه](٤) ؛ وأنتن قد راودتنّه عن نفسه.
وقول يوسف : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ).
أي : ذلك الذل والصغار أحبّ إليّ ، أي : آثر عندي وأخير في الدّين مما يدعونني إليه ؛ وإن كان ما يدعونه إليه تهواه نفسه وتميل إليه وتحبه ؛ فأخبر أن السجن أحبّ إليه ، أي : آثر وأخير في الدين ؛ إذ النفس تكره السجن وتنفر عنه ؛ ألا ترى أنه قال : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ)؟! فهذا يدل على أن ما قال : (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
__________________
(١) في أ : قوله.
(٢) في أ : السكن.
(٣) في أ : هذا.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في ب.