ويحتمل : عهد الله ما جرى على ألسن الرسل ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ...) الآية [آل عمران : ٨١] (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية [آل عمران : ١٨٧].
(وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ).
العهد والميثاق واحد ، وسمي العهد ميثاقا ؛ لأنه يوثق المرء ، ويمنعه عن الاشتغال بغيره. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) الصلات التي أمر الله بها أن توصل على جهات ومراتب : أما ما بينه وبين المؤمنين : ألّا يحب لهم إلا ما يحب ولا يصحبهم إلا بما يحب هو أن يصحب ، وأما فيما بينه وبين محارمه : أن يؤوى ويحفظ الحقوق التي جعل الله لبعضهم (١) على بعض ؛ ولا يضيعها. وأما فيما بينه وبين الرسل : فهو أن من حقهم أن يوصل الإيمان بالنبيين جميعا ؛ والكتب كلها.
هذا والله أعلم الصلة التي أمر الله أن يوصل بها.
(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) إما في التقصير فيما أمر أن يوصل ، وإما بالتفريط في ذلك ، وترك الصلة.
(وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ).
أي : شدة الحساب ؛ حين لم تنفعهم حسناتهم ؛ ولا يتجاوز عن شيء من سيئاتهم ؛ فذلك يسوءهم. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبر : هو كف النفس وحبسها عما تهواه ؛ على ما تكره ويثقل عليها.
ثم يحتمل كفها وحبسها عن الجذع في المصائب ، وعلى أداء ما افترض الله عليهم وأمرهم بها ، أو كفوا أنفسهم وحبسوها عن المعاصي ، يكون الصبر على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا (٢). والله أعلم.
__________________
(١) في ب : بعضهم.
(٢) واعلم أن العبد قد يصبر لوجوه :
إما أن يصبر ليقال : ما أصبره! وما أشد قوته على تحمل النوائب!
وإما أن يصبر لئلا يعاب على الجزع.
وإما أن يصبر لئلا تحصل شماتة الأعداء ، وإما أن يصبر لعلمه أن الجزع لا فائدة فيه.
فإذا أتى بالصبر لأحد هذه الوجوه ، لم يكن داخلا في كمال النفس ، أما إذا صبر على البلاء لعلمه أن البلاء قسمة القاسم الحكيم العلام ، المنزه عن العبث والباطل ، والسفه وأن تلك القسمة مشتملة على حكمة بالغة ، ومصلحة راجحة ، ورضي بذلك ؛ لأنه لا اعتراض على ـ