الدنيا ؛ فقال (١) : هو الباسط لذلك ؛ والقاتر لا أولئك ، هو يوسع على من يشاء ، ويقتّر على من يشاء ؛ ليس ذلك إلى الخلق ، وذكر أنه يبسط الرزق لمن يشاء من أوليائه وأعدائه ، ويقتر على من يشاء من أعدائه وأوليائه ، ليعلموا (٢) [أن](٣) التوسيع في الدنيا والبسط لا يدل على الولاية ، ولا التقتير والتضييق على العداوة ، ليس كما يكون في الشاهد ؛ يوسع على الأولياء ويبسط ، ويضيق على الأعداء ؛ لأن التوسيع في الدنيا والتضييق بحق المحنة وفي الآخرة ، بحق الجزاء ، ويستوي في المحنة الولي والعدوّ ، ويجمع بينهما في المحنة ؛ ويفرق بينهما في الجزاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا).
يحتمل قوله : (وَفَرِحُوا) صلة ما تقدم ؛ وهو قوله : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ ...) إلى قوله : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ) ، ويفرحون بالحياة الدنيا.
ثم الفرح يحتمل وجوها :
يحتمل : فرحوا بالحياة الدنيا ؛ أي : رضوا بها ؛ كقوله : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) [يونس : ٧] أي : فرحوا ، سرورا بها.
فإن قيل : إن المؤمن قد يسرّ بالحياة الدنيا؟
قيل : يسرّ ولكن لا يلهيه (٤) سروره بها ؛ ولا يغفل عن الآخرة ، وأما الكافر : فإنه لشدة سروره بها وفرحه عليها ؛ يلهى عن الآخرة ؛ وعن جميع الطاعات. وهكذا [العرف في](٥) الناس أنه إذا اشتد بالمرء السرور بالشيء ؛ فإنه يلهى عن غيره ويغفل عنه.
أو يكون قوله : (وَفَرِحُوا) أي : أشروا وبطروا ؛ كقوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦] وهو الأشر والبطر. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ).
تأويله ـ والله أعلم ـ أي : ما الحياة الدنيا ـ مع طول تمتعهم بها بتمتع (٦) الآخرة ـ إلا كمتاع ساعة أو كمتاع شيء يسير ؛ وهو كقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات : ٤٦] وكقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٥] يظنون ـ مع طول
__________________
(١) في ب : فقالوا.
(٢) في ب : ليعلم.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : يلهمه.
(٥) في أ : يعرف.
(٦) في أ : تمتع.