ما متعوا في هذه الدنيا ـ عند متاع الآخرة كأنهم ما متعوا بها إلا ساعة ؛ فعلى ذلك قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) ، وهو ما ذكر في موضع آخر : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة : ٣٨] عند متاع الآخرة ؛ لأن متاع الآخرة ونعيمها دائم متصل غير منقطع ؛ لا يشوبه آفة ولا حزن ولا خوف ، ومتاع الدنيا منقطع غير متصل ؛ مشوب بالآفات والأحزان ؛ لذلك كان قليلا عند متاع الآخرة ونعيمها.
وقال بعض أهل التأويل : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) أي : إلا لهو وباطل لكن الوجه فيه ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ).
يحتمل سؤالهم الآية أنفس الآيات التي أتت بها الرسل من قبل قومهم ، أو سألوا آيات سموها ، كقوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا ...) الآية [الإسراء : ٩٠] (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ...) [الإسراء : ٩٣] إلى آخر ما ذكر من الآيات ، سألوها منه ، أو سألوه آيات تضطرهم وتقهرهم (١) على الإيمان ؛ كقوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤].
وفيه دلالة أنه (٢) لو شاء لأنزل عليهم آيات ؛ لآمنوا كلهم بها ، واهتدوا ، وعنده (٣) أشياء لو أعطاهم لكان ذلك سبب اهتدائهم وتوحيدهم ؛ وكذلك لو أعطى أشياء لكان ذلك سبب كفرهم جميعا ؛ كقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ ...) الآية [الزخرف : ٣٣] لكنه لا ينزل الآية على شهواتهم وأمانيهم ، ولكن ينزل أشياء ؛ تكون عند النظر والتأمل (٤) حجة ؛ فمن تأمّل فيها وتفكّر لاهتدى وآمن بالاختيار ، ومن أعرض عنها ولم يتفكر ضل وزاغ بالاختيار.
ويحتمل قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) [الشعراء : ٤] أي : [إن نشأ](٥) إيمانهم واهتداءهم ننزل عليهم آية ، وذلك تأويل قوله على أثر سؤالهم الآية.
(قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ).
أي : ينزل من الآيات ما يهتدي بها المنيب إليها والمقبل ، ويضل (٦) المعرض عنها ؛
__________________
(١) في أ : وتقررهم.
(٢) في أ : آية.
(٣) في أ : هذه.
(٤) في أ : التأويل والنظر.
(٥) في أ : يشأ.
(٦) في أ : ويضر.