والصادر بالاختيار ، ويكون اهتداؤهم باختيارهم ؛ [وضلالهم باختيارهم](١) ؛ لا بالاضطرار والقهر ؛ ألا ترى أنه قال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) وهو القرآن الذي أنزله على رسوله ؛ فهو وصف المقبل المنيب إلى ذكر الله ؛ يسكن وتطمئن قلوبهم بالتأمل (٢) والتفكر فيها وأصله أن الله ـ عزوجل ـ : شاء اهتداء من علم أنه يختار الاهتداء والإيمان ، وشاء ضلال من علم أنه يختار فعل الضلال والزيغ ، يشاء [لكل](٣) ؛ لما علم منه أنه يختار ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وتسكن إليه.
وقال بعض أهل التأويل (٤) : هو في الحلف في الخصومات ؛ ألا في الحلف بالله ؛ [تطمئن وتسكن](٥) قلوب الذين آمنوا لا تطمئن بالحلف بغير الله.
وقال بعضهم : ألا بالقرآن ؛ وبما في القرآن من الثواب ، تسكن وتطمئن قلوب الذين آمنوا.
ويشبه أن يكون قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أي : تفرح وتستبشر قلوب الذين آمنوا بذكر الله ألا بذكر الله تستبشر وتفرح قلوب الذين آمنوا ؛ لأنه ذكر في الكفرة الفرح بالحياة الدنيا ؛ وهو قوله : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) [يونس : ٧] وذكر في المؤمنين الاستبشار والفرح بذكر الله ، وفي أولئك ذكر أن قلوبهم تشمئز بذكر الرحمن وتستبشر بذكر من دونه ؛ وهو قوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر : ٤٥] أخبر الله تعالى أن قلوب المؤمنين تستبشر وتفرح بذكر الله ، وقلوب أولئك تستبشر [وتفرح](٦) بذكر من دونه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) يخرج على وجهين :
أحدهما : تطمئن قلوبهم بذكر الله لهم ، وذكر الله لهم التوفيق والتسديد والعصمة ، ونحوه.
والثاني : تطمئن قلوبهم بذكرهم الله ، وذكرهم الله : إحسانه ونعمه وعظمته وجلاله ، ونحوه.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : والتأمل.
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٧).
(٥) في ب : تسكن وتطمئن.
(٦) سقط في أ.