أولئك ؛ والإخراج من سلطان أولئك الكفرة وأيديهم ، وإدخالها في أيدى المسلمين ؛ فذلك النقصان. [وهو](١) والله أعلم لما وعد لرسوله أن يريه بعض ما وعد لهم ؛ فقال الكفرة عند ذلك : أين ما وعد أن يريك؟ فقال عند ذلك : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها) أي : ألم يروا أنه جعل بعض ما كان لهم من الأرضين للمسلمين ؛ فإذا قدر على جعل البعض ـ الذي كان لهم لهؤلاء ؛ لقادر أن يجعل الكل لهم ؛ فهلا يعتبرون.
هذا والله أعلم ما أراد بما ذكر من النقصان.
وقال قائلون (٢) : نقصان الأرض : موت فقهائها وعلمائها وفنائها.
ووجه هذا : وهو أن الفقهاء والعلماء ـ هم عمّار الأرض وأهلها ؛ وبهم صلاح الأرض ؛ فوصف الأرض بالنقصان بذهاب أهلها ، وهو كما وصف الأرض بالفساد ؛ وهو قوله : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] وقوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الروم : ٤١] فالأرض لا تفسد بنفسها ؛ ولكن وصفت بالفساد ؛ لفساد أهلها ، فعلى ذلك لا تنقص هي بنفسها ؛ ولكن وصفت بالنقصان ؛ لذهاب أهلها ، وعمارها وفقهائها وعلمائها.
ثم يحتمل ذهاب العلماء المتقدمين ، الذين تقدموا رسول الله في الأمم السالفة ؛ وهم علماء أهل الكتاب ؛ فيقول ألا يعتبرون بأولئك الذين قبضوا وتفانوا من علمائهم؟ فلا بدّ من رسول يعلمهم الآداب والعلوم ؛ ويجدد لهم ما درس من الرسوم [وذهب](٣) من الآثار ؛ فكيف أنكروا رسالته؟ وفي بعث الرسول حدوث العلماء ؛ وذلك وقت حدوث العلماء وزمانه ؛ فإن كان أراد العلماء المتأخرين وفقهاءهم ـ فيخرج ذلك مخرج التعزية له ؛ أي : تصير الأرض بحال توصف بالنقصان ، بذهاب العلماء والفقهاء. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ).
قيل (٤) : لا رادّ لحكمه ، وحكمه : يحتمل : العذاب الذي حكم على الكفرة ؛ يقول : لا رادّ للعذاب الذي حكم عليهم ؛ [وهو كقوله : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] أي :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٠٥٣٣) وعبد الرزاق وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، كما في الدر المنثور.
وعن مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٠٥٣٤) وابن أبي شيبة كما في الدر المنثور (٤ / ١٢٦).
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله ابن جرير (٧ / ٤٠٨).