احكم بالعذاب الذي حكمت عليهم](١).
ويحتمل قوله : (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) أي : لا يتعقب أحد حكمه ؛ ولا يعقب أحد سلطانه ؛ كما يكون في حكم الخلائق يتعقب بعض عن بعض ، وكما ذكر في الحفظة : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) [الرعد : ١١] يتعقب بعض عن بعض في الحفظ ؛ وفيما سلطوا. والله أعلم.
(وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) هذا قد ذكرناه في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
أى : مكر الذين من قبلهم برسلهم ؛ كمكر هؤلاء بك يصبر رسوله على أذاهم به.
ثم يحتمل المكر به وجهين :
أحدهما : مكروا بنفسه ؛ همّوا قتله وإهلاكه.
والثاني : مكروا بدينه الذي دعاهم إليه وأراد إظهاره ؛ هموا هم إطفاء ذلك وإبطاله وكذلك مكر الذين من قبلهم برسلهم يخرج على هذا. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً).
هذا أيضا يخرج على وجهين :
أحدهما : يقول : فلله جزاء المكر جميعا ؛ يجزى كلا بمكره.
والثاني : أي : لله حقيقة المكر يأخذهم جميعا بالحق من حيث لا يشعرون ، وأما (٢) هم فإنما يأخذون ما يأخذون لا بالحق ولكن بالباطل ، ولا يقدرون على الأخذ من حيث لا يشعرون إلا قليلا من ذلك ، فحقيقة المكر الذي هو مكر بالحق في الحقيقة لله لا لهم.
ويحتمل قوله : (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي : لله تدبير الأمر جميعا ، إن شاء أمضاه ؛ وإن شاء منعه ، إليه ذلك لا إليهم.
أو لله حقيقة المكر يغلب مكره مكر أولئك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) من خير أو شرّ.
(وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ).
يشبه أن يكون عقبى الدار معروفا عندهم ؛ وهي الجنة ؛ فيكون صلة قولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] فيقول ـ والله أعلم ـ سيعلمون هم لمن عقبى الدار ؛ أهي لهم أم هي للمؤمنين؟
أو أن يكون جواب قوله : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) [الكهف : ٣٦]
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : فأما.