أنهم لما رأوهم مفضلين في أمر الدنيا ووسع عليهم الدنيا ـ ظنوا أن لهم في الآخرة كذلك ؛ فقال ذلك جوابا لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : قالوا.
(لَسْتَ مُرْسَلاً) أي : لن يبعثك الله رسولا ، وهم كانوا يقولون كذلك له فأمره أن يقول لهم (١).
(كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) إني نبي رسول الله إليكم بالآيات التي آتي بها ، أو كان قال لهم ذلك (٢) ؛ لما بالغ في الحجاج والبراهين في إثبات الرسالة والنبوة ؛ فلم يقبلوا ذلك فأيس من تصديقهم ؛ فعند ذلك قال :
(كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) أي : يعلم من كان عنده علم الكتاب ؛ يعني التوراة ؛ فيشهد أيضا أني رسول نبي ؛ أي : يعلم من كان عنده علم الكتاب أني على حق ؛ وأني رسول الله ؛ وهو كقوله : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً ...) الآية [الشعراء : ١٩٧] وقوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) [النحل : ٤٣] ومن قرأ بالخفض : ومن عنده علم الكتاب فتأويله ـ والله أعلم ـ : أي : من عند الله جاء علم هذا الكتاب ؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكذلك روي في بعض الأخبار ؛ عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه كان يقرأ : ومن عنده علم الكتاب بالخفض (٣) ، وأما القراء جميعا فإنهم يختارون النصب (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ).
قال أبو عبيد : وقرأ بعضهم : ومن عنده علم الكتاب بخفض الميم والدال ورفع العين ؛ وقال : لكن لا أدري عمن هو.
وروي عن عبد الله بن سلام أنه قال : فيّ نزل : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(٤) هذا يؤيد أن يثبت قول أهل التأويل ؛ حيث قالوا : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) : عبد الله بن سلام وأصحابه. والله أعلم.
* * *
__________________
(١) في ب : لهم قل.
(٢) في أ : هنا.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (٣ / ٢٥) أنها قراءة الحسن وسعيد بن جبير وأخرجه أبو يعلى وابن جرير (٢٠٥٥٨) وابن مردويه وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قرأ (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) قال : من عند الله علم الكتاب. انظر : الدر المنثور (٤ / ١٢٩).
(٤) أخرجه ابن جرير (٢٠٥٣٥ ، ٢٠٥٣٦) عنه ، وعن مجاهد (٢٠٥٣٨ ، ٢٠٥٤٠ ، ٢٠٥٤١) وقتادة (٢٠٥٤٢ ، ٢٠٥٤٤) وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٢٨).