الصالحات ؛ كالشجرة التي وصفها أنها تؤتي أهلها أكلها في كل حين وكل وقت ، أصلها ثابت بالحجج والبراهين ، وفرعها في السماء ، في كل وقت يرتفع ويصعد به العمل إلى السماء.
و [الكلمة](١) الخبيثة : هي الكفر ؛ لأنه لا منفعة لأهلها فيها ، إذ لا عاقبة له ولا حجة معها ولا برهان ، إنما شيء أخذوه عن شهوة وأمانيّ ، فكان كالشجرة الخبيثة التي لا ثمرة لها ، ولا منفعة لأحد فيها ، فهى لا تبقى ولا تدوم. فذلك قوله : (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ).
ويشبه أن يكون ضرب المثل لغير هذا المعنى ؛ وهو أنه ذكر جواهر طيبة وجواهر خبيثة ؛ مما يقع عليها الحواس ويقع عليها البصر ؛ ليكون كل جوهر من هذه الجواهر التي يقع عليها الحواس ؛ ويقع عليها البصر ـ من خبيث أو طيب ـ دليلا وشاهدا على ما غاب عن الخلق ؛ ولا يقع عليها الحواس. وهكذا جعل الله تعالى هذه المحسوسات والأشياء الظاهرة ـ دليلا وشاهدا لما غاب عنهم ؛ ولا يقع عليه الحسّ ، تدرك بالعقول التي تركب فيهم ؛ ليرغب الطيب ؛ مما يقع عليه الحسّ والبصر ؛ على الموعود الغائب ، ويحذر الخبيث المحسوس عما غاب وأوعد ، وكذلك هذه الآلام والأمراض والشدائد التي جعل في هذه الدنيا ؛ لتزجرهم عن الأفعال التي بها يستوجبون مثلها في الآخرة ، وكذلك النعم التي في الدنيا واللذات ، جعلها لتدلهم على النعم الدائمة.
على هذا يجوز أن يخرج لا أنه أراد بالشجرة الطيبة الشجرة نفسها أو بالشجرة [الخبيثة الشجرة](٢) نفسها ولكن ما وصفنا. والله أعلم بذلك.
وقال قائلون (٣) : ضرب الله مثل الشجرة الطيبة مثلا للمؤمن ؛ هو في الأرض وعمله يصعد إلى السماء كل يوم ؛ فكما تؤتي الشجرة أكلها كل حين كذلك المؤمن يعمل لله في ساعات الليل والنهار (٤).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) قاله ابن عباس وعطية العوفي والربيع بن أنس ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٠٦٦٢ ، ٢٠٦٦٣ ، ٢٠٦٦٤) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٤٢ ، ١٤٣).
(٤) كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق ، فإذا تكلم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله ـ عزوجل ـ قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠]. ووصف الشجرة بكونها طيبة وذلك يشمل طيب الصورة والشكل والمنظر ، والطعم ، والرائحة والمنفعة ويكون أصلها ثابتا ، أى : راسخا آمنا من الانقطاع ، والزوال ويكون فرعها في السماء ؛ لأن ارتفاع الأغصان يدل على ثبات الأصل ، وأنها متى ارتفعت كانت بعيدة عن عفونات ـ