السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) يعني البشر ، جعل (١) منافع السماء متصلة بمنافع الأرض ؛ [مع](٢) بعد ما بينهما ؛ دل أنه عن تدبير ، فعل هذا وعلم ، وأنه تدبير واحد ؛ عليم ؛ قدير.
ثم ما ذكر : من تسخير السموات والأرض ؛ مع شدة السماء وصلابتها ، وغلظ الأرض وكثافتها ، وتسخير البحر ؛ مع أهواله وأمواجه ، وتسخير الأنهار الجارية ، وتسخير الشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار لهذا البشر.
في ذلك كله وجهان :
أحدهما : يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم ؛ من المنافع التي جعل لهم ؛ في تسخير هذه الأشياء التي ذكر لهم ؛ على جهل هذه الأشياء أنهن مسخرات لغيرهن ؛ يستأدي بذلك شكرها.
والثاني : يذكر سلطانه وقدرته ؛ حيث سخر هذه الأشياء ؛ مع شدتها ، وصلابتها ، وغلظها ، وأهوالها. ومن قدر على تسخير ما ذكر ـ قادر على البعث والإحياء بعد الموت.
ويحتمل ما ذكر ؛ من تسخير الأشياء التي ذكر : أنه أنشأ هذه الأشياء مسخرة مذللة لنا ، والثاني : سخر لنا ؛ أي : علّمنا من الأسباب والحيل التي يتهيّأ لنا الانتفاع بها والتسخير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ).
فيه لغتان وتأويلان قال بعضهم : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِ) ؛ على التنوين ؛ (ما سَأَلْتُمُوهُ) على الجحد ؛ أي : آتاكم من غير أن سألتم الأشياء التي ذكر أنه سخرها لنا ؛ أي : آتاكم من غير سؤال ولا طلبة.
والثاني : وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه ؛ لأنه أعطانا أشياء قبل أن نعلم أنه يجب أن نسأله ؛ حيث خلق هذه الأشياء التي ذكر من قبل أن يخلقنا.
وقال الحسن (٣) : (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) ؛ قال : ما لم تسألوه ؛ وهو ما ذكرناه ؛ فإن قيل : إنا نسأل أشياء لم نعطها ؛ فما معنى الآية؟ قيل بوجوه (٤) :
أحدها : ذكر حرف التبعيض ؛ وهو ما قال : (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ).
والثاني : وآتاكم علم منافع ما سألتموه قبل أن تسألوا ؛ وجهه علم الانتفاع به. والثالث : وآتاكم من كل ما يحق السؤال ويليق به.
__________________
(١) في ب : أنه جعل.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٠٨٢٩) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٥٨).
(٤) في ب : لوجوه.