لذهبت فائدة العصمة ، ولا حاجة تقع إليها ، فدل أن العصمة تزيد في المحنة ، ومع المحنة يحتاج إليها وينتفع بها.
ويحتمل أن يكون الخطاب بالآية غيره ، كل ظانّ يظن بالله الغفلة عن ظلم الظالم ؛ وهو كما خاطب بقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] إنما خاطب به كل غارّ بربه الكريم لا كل إنسان ، فعلى ذلك خاطب بقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) كل ظانّ بالله الغفلة عن ظلم الظالمين (١) ، ثم إن الذي حملهم على الظن بالله الغفلة عن ظلم الظالم ـ حلمه (٢) ، وتأخيره العذاب عنهم عن وقت ظلمهم ، وترك أخذهم بذلك : فمنهم من ادعى الغفلة عن ذلك ؛ لما رأوا من عادة ملوك الأرض أن من ظلم [أحدا](٣) منهم انتقم منه في أعجل وقت يقدر على الانتقام منه ؛ فحمل تأخير الله العذاب منهم ؛ والانتقام منهم ـ على القول بالغفلة. ومنهم من ادعى الرضا ؛ بما اختاروا هم من الشرك والكفر بالله ، وادعوا الأمر بذلك ؛ لما لم يأخذهم ولم يستأصلهم بصنيعهم ؛ فاستدلوا بذلك [على] رضاه بفعلهم (٤) ، وأمره إياهم بذلك. فأخبر رسوله أن تأخيره العذاب عنهم وإمهاله إياهم ـ ليس عن غفلة [عنه](٥) ولا عن سهو ، ولا لرضاه به وأمره ولكن إنما يؤخرهم ليوم ، ثم وصف ذلك اليوم ؛ لشدة فزعه وهوله فقال.
(لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ. مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ).
قال بعضهم : هذا كله يرجع إلى الطرف والبصر ؛ يقول : شاخصة أبصارهم مهطعين : ناظرين إليه ؛ أي : إلى الداعي ، مقنعي رءوسهم : رافعي رءوسهم ، لا يرتد إليهم طرفهم ؛ لهول ذلك اليوم ، هذا كله يصرفون إلى الأبصار دون النفس ؛ لأن الإهطاع والإقناع : هو للنظر ولشخوص الأبصار.
ومنهم من صرف قوله : (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) ، و (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) إلى البصر ، وصرف قوله : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) إلى الأنفس ؛ وهو ما ذكر في موضع آخر : (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) [القمر : ٨] أي : مسرعين إليه الإجابة ؛ رجاء التخلص والنجاة عما حل بهم ؛ بترك الإجابة.
__________________
(١) في أ : الظالم.
(٢) في أ : حمله.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : بفعله.
(٥) سقط في أ.