وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ).
يحتمل هذا ـ والله أعلم ـ : وإن من شيء يخزن في الخلق ـ إلا عندنا خزائنه ؛ [أي](١) : إلا عندنا تلك الخزائن ؛ أي : ما تخزنون من الأشياء ، فتلك عندنا وفي خزائننا.
(وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).
على هذا (وَما نُنَزِّلُهُ) : أي : ما نعطيه (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) : أي : وإن كان عندكم مخزونا محبوسا ـ فإن ذلك كله في خزائنه ، أعطى من شاء ، وحرم من شاء.
ويحتمل قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) والخزائن : هي الأمكنة الخفية التي تخزن فيها الأموال ، وبواطن من الأرض ، يقول ـ والله أعلم ـ : وإن من شيء كان في بواطن الأرض ، وأمكنة خفية ـ إلا عندنا تدبير ذلك وعلمه ، يخبر أن تدبيره وعلمه في الخفية من الأمكنة ـ كهو في الظاهر ؛ لا يخرج شيء عن تدبيره وعلمه ، بل كل ذلك في تدبيره وعلمه (٢).
وقال الحسن : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) : أي : الماء الذي جعل به حياة كل شيء ، ولا يخرج شيء عن منافعه ، فهو خزائن الأشياء كلها ، وبه قوام كل شيء ، وقال : ألا ترى أنه قال : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) ، ذكر الإنزال : وهو الذي ينزل من السماء طاهرا. هذا الذي قاله محتمل ، لكن تمامه أن يقال : إن الماء خزانة ، والخزانة (٣) : هي الموضع الذي يخزن فيه ، وفي الماء قوة ومعنى ؛ يكون فيه حياة الخلق ، ومنافعهم ، فيما جعل فيه لا في نفس الماء ، ألا ترى أنه يصيب عروق الشجر ؛ فتظهر منافعه في غصونها ؛ في أعلاها ؛ فثبت أن فيه قوة سرية ، ومعنى يكون المنافع بها لا بنفس الماء ، والله أعلم بذلك.
ثم ما ذكر من الخزائن ، والرياح ، والماء ، والمطر ، وغير ذلك من النعم ؛ يذكر على الاحتجاج عليهم ؛ لأنه إنما أنشأ هذه الأشياء ، وخلقها لهؤلاء ، لا أنه أنشأها لنفسها ، فإذا كان أنشأها لهم ـ فلا يحتمل أن يتركهم سدى ؛ لا يأمرهم ولا ينهاهم ، ولا يمتحنهم (٤) ولا يجعل لهم عاقبة يثابون أو يعاقبون (٥) ؛ ولذلك قال في آخره : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : حكمه.
(٣) في أ : والخزائن.
(٤) في أ : يمنحهم.
(٥) في أ : ويعاتبون.