خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)(٤٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وقال في آية آخرى : (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) [الأنعام : ٢] ، وقال : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصافات : ١١] ، وقال في آية أخرى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون : ١٢] ، وقال : (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الحج : ٥](١) ، ذكر مرة الحمأ المسنون ؛ وقيل (٢) : هو الطين الأسود المتغير ، وذكر مرة التراب ، ومرة الطين اللازب : وهو الملتزق ، ومرة من سلالة الطين ، فيشبه أن يكون على الأحوال ، واختلاف الأوقات : كان في حال الأول ترابا ، وفي حال طينا لازبا ، وفي حال حمأ مسنونا ؛ وهو الذي اسودّ وتغير ؛ لطول مكثه ، وصلصالا وفخارا. فقبل أن يكون خلقا مركبا الجوارح فيه والعظام ـ كان على هذه الأحوال الثلاثة على ما أخبر من تغير أحوال أولاده ؛ حيث قال : (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) [الحج : ٤] ذكر فيه أحولا ثلاثة قبل أن يخلق لحما وعظما ، في حال كان نطفة ، ثم صار علقة ، ثم صار مضغة.
فعلى ذلك يحتمل ما ذكر في آدم : من تراب ، وطين ، وحمأ ونحوه ، إن كان على اختلاف الأحوال على ما ذكرنا.
أو أن يكون على التشبيه والتمثيل ، ووجه التمثيل بالطين : الذي ذكر ؛ وهو أن الطين الذي يكون كالصلصال ، والفخار ، واللازب ؛ ونحوه ـ هو الطين الطيب ؛ الذي يكون منه البنيان ، والأوانى ، والقدور ، وجميع أنواع المنافع. وأما الطين الذي يخبث ـ فإنه لا يتخذ منه شيء مما ذكرنا ، ولا يتهيأ اتخاذ شيء من ذلك ، فشبه خلق آدم بالطين الذي يجتمع فيه جميع أنواع المنافع ، فعلى ذلك جمع في آدم جميع أنواع المنافع والخير ، كالطين الطيب.
ثم فيه دلالة قدرته ، وسلطانه ، وذكر نعمه ؛ حيث أخبر أنه خلق آدم من تراب وطين ؛
__________________
(١) ثبت في حاشية ب : وقال : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ وقال : فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ...) ، الآية. وقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ). كاتبه.
(٢) قاله ابن جرير (٧ / ٥١٢).