وما ذكر ، وليس في التراب ، ولا في الطين ـ من أثر البشرية ـ شيء ، وكذلك ليس في النطفة التي خلق البشر منها [من] أثر البشرية شيء ؛ ليعلم أنه قادر على إنشاء الأشياء من شيء ، ومن لا شيء ؛ إذ ليس فيما ذكر من الطين والتراب ؛ الذي خلق منه أبا البشر من أثر البشرية فيه [شيء](١) ، ولا في النطفة التي خلق منها أولاده ؛ من أثر البشرية والإنسانية من اللحم ، والعظم ، والشعر ، وغيره ، وما ركب فيهم : من العقل ، والعلم ، والتدبير ، والجوارح ، وغير ذلك ـ شيء ؛ ليعلم قدرته وسلطانه على خلق الأشياء : لا من شيء ؛ وليعرفوا نعمه التي أنعمها عليهم ؛ حيث أخبر أنه خلق آدم من طين لازب ، وصلصال ، وما ذكر ، وذلك وصف الطين الطيب ؛ لأن ما خبث من الطين لا يبلغ المبلغ الذي وصفه ، ولا يصير إلى تلك الحال (٢) ، وإن طال مكثه ؛ لأنه لا ينتفع به [لا](٣) من اتخاذ البنيان ، والأواني ، والقدور ، ولا ينبت الزروع أيضا ، فيحتمل على التمثيل الذي ذكرنا لا على التحقيق ، أو على التحقيق على الأحوال المختلفة. فدل أنه إنما خلقه من طين [لازب](٤) ؛ طاب أصله.
فعلى ذلك يحتمل النطفة التي يخلق منها البشر تكون طاهرة ، وهي لا تصيب شيئا ، وهي على غير الوصف الذي يخرج ؛ لأنه قال : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] وقال : (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة : ٨].
والصلصال : قال بعضهم : هو التراب اليابس. والحمأ : الطين الأسود. والمسنون : [المنتن المتغير](٥).
وقال بعضهم : الصلصال : هو الذي إذا ضربته تصوت ؛ ومنه يقال : صلصلة اللجام والفرس ؛ إذا كان يصلصل ؛ وهو قول ابن عباس (٦) رضي الله عنه.
وقال القتبي (٧) : الصلصال : الطين اليابس الذي لا يصيبه النار ؛ فإذا نقرته صوّت ، فإذا مسته النار ـ فهو فخار : والمسنون : المتغير الرائحة ، والمسنون ـ أيضا ـ : المصبوب ، وسننت الشيء : إذا صببته صبّا سهلا ، وسنّ الماء على وجهك ، وهو قول القتبي (٨).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : الجبال.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : المتغير المنتن.
(٦) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٢).
(٧) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٧).
(٨) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٨).