وقال أبو عوسجة : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) : الحمأ : التراب الأسود يكون في أسفل البئر ، ومن هذا سمّي الحمي ؛ لأنه يحمي أن يرعى ، ويقال : حميت الحرب ، والشمس ، والتنور ، يحمى : إذا اشتد حره. ومسنون : أي : مخلوق.
وقال الحسن : المسنون : الذي سن عليه خلقة الخلق ؛ يعني أولاده على خلقته ؛ أي : على خلقته خلق الخلق ، وأمثال هذا. والله أعلم بذلك.
وقوله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ).
قال بعضهم (١) : الجانّ : هو إبليس. وقال بعضهم (٢) : الجانّ : هو أبو الجن ، وإبليس : هو أبو الشياطين ؛ سمّوا شياطين لتمردهم في فعلهم ، ذلك مقتدر من فعلهم ، ألا ترى أنه ذكر من الإنس والجن شياطين ؛ وهو قوله : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] ؛ وذلك لتمردهم ، والجانّ مقتدر عن الجن. والله أعلم بذلك.
والسموم : قال بعضهم (٣) : السموم : لهب النار ؛ وليس له دخان ؛ وهو المارج من نار ، والمارج هو المنقطع (٤) منها.
وقال بعضهم : من جنس النار ؛ كأنه أراد لهبها (٥) ، وقال (٦) : (نارِ السَّمُومِ) : الحارّة التي تقتل ، فإذا كان السموم ، والمارج ـ ما ذكر بعضهم أنه لهب النار ـ فمن طبعه الارتفاع والعلوّ ، فعلى ذلك ما خلق منه طبعه الارتفاع والعلو ؛ وهو الجانّ الذي ذكر ، والطين طبعه التسفل والانحدار إلى الأرض ؛ فعلى ذلك ما خلق منه طبعه الهوى إلى الأرض ، والميل إليها.
والجانّ : قال أبو عوسجة : الجنّ : واحد الجانّ ، والجمع (٧) : جانّ ؛ سمي ذلك لاستجنانه. وقال غيره : الجن : الجماعة ، والجانّ الواحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي أتممته (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وقال في آية أخرى : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [الأنبياء : ٩١].
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢١١٦٤) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٣).
(٢) قاله البغوي (٣ / ٤٩) ونسبه لابن عباس.
(٣) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١١٦٧).
(٤) في ب : المقطع.
(٥) في أ : لهبا.
(٦) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١١٦٥ ، ٢١١٦٦) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما ، في الدر المنثور (٤ / ١٨٣).
(٧) في ب : الجميع.