لم يشتبه (١) هذا على الناس ، ولم يفهموا [من قوله](٢) : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ، (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] ما فهموا من نفخ الخلق ، فما بالهم فهموا من قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الفرقان : ٥٩] و (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [فصلت : ١١] ونحوه ـ استواء الخلق؟ بل فهم نفخه من فهم نفخ الخلق أكثر من استوائه ؛ لأنه أمكن صرف الاستواء إلى وجوه ؛ ولا يمكن صرف النفخ فيه ، لكنه اشتبه عليهم ؛ لأنهم اقتدروا فعل الله بفعل الخلق ، ولا يجب أن يقتدروا بالخلق على ما لم يقتدروا في قوله : [حدود الله ، وحكم الله](٣) ، وعباد الله ، وخلق الله ، وأمثاله. وقد أخبر أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] أو تلقين من الشيطان.
وقوله : (رُوحِي رُوحَنا) أي : الروح الذي به حياة الخلق ؛ أي : خلق الذي يكون به حياة الخلق على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).
يحتمل أن يكون قوله : (خالِقٌ بَشَراً) ما ذكر خبر أنه سيفعل ، وأمر لهم بالسجود ؛ فيكون الأمر بالسجود بعد ما خلقه إياه ، فهذا يدلّ أنه قد يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ).
ظاهر الأمر بالسجود ؛ والاستثناء ـ الذي ذكر ـ يدل أن إبليس من الملائكة ؛ لأن فيهم كان الأمر بالسجود ، ومنهم وقع الثنيا ، وقد ذكرنا اختلافهم وأقاويلهم فيما تقدم ؛ مقدار ما حفظناه.
قال : والأصل بأن كل ما خرج مخرج الاستثناء ـ فيجب أن يسقط اسم ما أجمل ؛ نحو قول الرجل الآخر : لك علي عشرة إلا درهما ، يسقط [الاستثناء ما](٤) أجمل من الاسم حتى [صار](٥) تسعة ، وكذلك إذا قال : ألف إلا خمسين ، وإذا لم يسقط ذلك الاسم ـ فلا بد أن يكون الكل فيه مضمرا ؛ نحو قول الرجل : رأيت علماء بلدة كذا إلا فلانا ـ يجب أن يضمر فيه حرف الكل ، حتى يقع على كل ؛ نحو أن يقول : رأيت كل علماء بلدة كذا إلا
__________________
(١) في أ : يشبه.
(٢) في ب : من خلقه قوله.
(٣) في ب : حكم الله ، وحدود الله.
(٤) في ب : الاستثناء اسم ما.
(٥) سقط في ب.