التصدق ؛ لكنه إخبار عما [قصدوا وعزموا](١) بالتصدق ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون هذا من الله إخبارا عما عزم إبليس وقصد ؛ على غير التفوه به والقول ، وهو ما ذكر (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) [المائدة : ٩٩] أخبر أنهم كتموا فيه وأضمروا.
ويحتمل أن يكون على التفوه بما ذكر ، قال ذلك ؛ لما قال له ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) لما شهد الله عليه باللعن إلى يوم الدين أيس ـ لعنه الله ـ عن الهدى ؛ فقال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) : أي : لعنتنى وشهدت عليّ بذلك (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) المخلص ـ بخفض اللام ـ : هو الذي أخلص له الاعتقاد ، والعمل والوفاء ، والمخلص ـ بنصب اللام ـ : هو الذي أخلصه الله ، وحفظه ، وعصمه ، واختصه بذلك. والمخلص لا يقال إلا بعد أن يكون لله فيهم صنع ، ولهم اختصاص ، وفضائل اختصهم بذلك ؛ برحمة الله وفضله.
والمعتزلة يقولون : لا يستوجب أحد الاختصاص والفضيلة إلا بفعل يكون منه لا يستوجب بالله.
ويقولون : الله لا يغوي أحدا لا إبليس ، ولا أحدا من أتباعه ؛ فإبليس أعرف بالله من المعتزلة ؛ حيث رأوا أن الله لا يغوي أحدا ولا يختص أحدا إلا بصنع يكون منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ).
قال بعضهم (٢) : قوله (عَلَيَ) بمعنى إليّ : أي : إليّ صراط مستقيم ؛ يقول : هو بيدي لا (٣) بيد أحد وقال بعضهم (٤) : الحق يرجع إلى الله ، وعليه طريقه لا يعوج على شيء.
ويحتمل قوله : (عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) : أي : عليّ بيانه وهو مستقيم ؛ كقوله : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) [النحل : ٩] : أي : بيان قصد السبيل.
وقال بعضهم : لما قال إبليس : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قال الله تعالى : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) يقول : عليّ ممرّ من أغويته وتابعك ؛ كقولك لآخر ـ إذا أوعدته ـ : إن طريقك عليّ. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ).
يحتمل قوله : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي : ليس لك عليهم حجة (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
__________________
(١) في ب : عزموا وقصدوا.
(٢) أخرجه ابن جرير (٢١١٧٩) وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٨٤).
(٣) في أ : ليس.
(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢١١٧٦) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٤).