الاعتزال ، وما يلزمهم في قوله : (أَغْوَيْتَنِي) يلزم في قوله : لعنتني ؛ لأن اللعن : هو الطرد ؛ فإذا طرده عن رحمته ـ فقد خذله ، فالطرد (١) والإغواء والإضلال سواء ؛ فيلزم في اللعن ما يلزمهم في الإغواء.
وقال أبو بكر الأصم : الإغواء واللعن من الله : شتم ، لكن هذا بعيد ، لا يجوز أن يضاف إلى الله الشتم أنه يشتم ؛ لأنّ الشاتم والسابّ لآخر ـ في الشاهد بما يشتمه ـ مذموم عند الخلق ؛ فلا يجوز أن يضاف إلى الله ما به يذم. وأصله : أن قوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) يحتمل أنه خلق فعل الغواية منه أو أغواه ؛ لما علم أنه يختار الغواية والضلال.
وقوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) : كأنه يقول : ربّ بما أغويتني لأزيدن لهم في الغواية بما أغويهم ، وقد ذكرنا هذا وأمثاله فيما تقدم.
فإن قيل : قوله : (أَغْوَيْتَنِي) قول إبليس ؛ وهو كاذب بالإضافة إليه. قيل : لو كان فيما أضاف إليه الإغواء كاذبا لكذبه فيه ، ورد عليه [قوله](٢) ، كما كذبه في قوله ورد عليه : أنا خير منه خلقتني من كذا وخلقته من كذا ؛ حيث قال : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) [الأعراف : ١٣] فلما لم يردّ عليه ؛ ولم يكذبه فيما أضاف إليه حرف الإغواء دل أن [إضافة الإغواء إليه](٣) والإضلال حقيقة أو أن يكون قوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص : ٧٦] إنما ذلك منه ذكر فضله وإحسانه ؛ حيث أخبر أنه خلقه مما هو أفضل وأعظم مما (٤) خلق آدم ؛ فيخرج ذلك منه مخرج الشكر. وأما قوله : (أَغْوَيْتَنِي) ليس على ذلك ، فلا يحتمل ألا يكذبه ، ولا يرد عليه قوله إذا كان كاذبا فيه ؛ لأنه فعل شر أضافه إليه ، إذا لم يكن منه الإغواء ؛ لذلك اختلفا ، أو لو كان قول إبليس ـ لعنه الله ـ كذبا فما تصنعون بقول نوح ـ عليهالسلام ـ حيث قال : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [هود : ٣٤] وقول موسى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥].
ثم قوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) يحتمل أن يكون منه عزم على ما ذكر ، دون أن تفوّه بذلك ، فأخبر ـ عزوجل ـ عنه ما كان عزم ؛ من الإغواء وغيره بالقول ، وذلك جائز ؛ يخبر عن العزم والقصد بالقول ؛ كقوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان : ٩] لا يحتمل أن يكون هذا القول الذي أخبر عنهم قولا منهم ؛ لأنه لا أحد من المتصدقين يقول بمثل ذلك عند
__________________
(١) في أ : في الطرد.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : عليه صرف الإغراء دل أن الإضافة إليه الإغواء.
(٤) في أ : ما.