لهم ، وفضائله التي أكرمهم بها (١).
وقال بعضهم : خلق الأعداء نظرا للأولياء على ما ذكرنا ، لكن من وجه آخر [](٢) ، وأصله أن الله ـ عزوجل ـ جائز أن ينشئ (٣) أشياء فيها حكمة وسرية ؛ لا يبلغها علم الخلق ، ولا يدركها حكمة البشر ، على ما جعل النعم الظاهرة فيها ـ حكمة معنى لا يبلغه علم (٤) الخلق ؛ ولا حكمة (٥) البشر ، وكذلك البلايا والشدائد فيها حكمة لا يبلغها علم الخلق ، فعلى ذلك جائز أن خلق إبليس ، وعصاة الخلق ؛ لحكمة جعل في ذلك ؛ حكمة لا يبلغها علم الخلق ، ولا يدركها حكمة البشر ، على ما ذكرنا : من النعمة الظاهرة ؛ والشدائد الظاهرة ، وأصله أن الله تعالى خلق الخلق على علم منه أنهم يعصون ؛ ويعاندون (٦) ، لكن مكن لهم من الاختيار والإيثار ـ ما به نجاتهم وهلاكهم ؛ إذا اختاروا ذلك ، فإذا اختاروا ما به نجاتهم ـ نجوا ، وإذا اختاروا ما به هلاكهم ـ هلكوا ، فيكون هلاكهم باختيارهم ، ونجاتهم باختيارهم. وأصله : ما ذكرنا في غير موضع ؛ أنه أنشأهم في هذه الدنيا ؛ ليمتحنهم فيها ، وفي خلق ما ذكر : من إبليس ؛ وغيره من الأعداء ؛ ليتم لهم المحنة ، وفي ترك خلق ذلك ذهاب المحنة ؛ وهي دار الامتحان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
قال بعض أهل التأويل (٧) : إلى النفخة الأولى وقيل : إلى النفخة الثانية ، ونحوه. لكنا لا نعلم ذلك ، وكأنه تعالى أنظره إلى الوقت المعلوم ؛ ولم يبين له ذلك الوقت ، ولم يطلعه عليه ؛ حيث قال : (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ...) الآية [الأنفال : ٤٨] أخبر أنه يرى ما لا يرون هم ، وأنه يخاف الله ، ولو كان بيّن له الوقت المعلوم ـ لكان لا يخاف هلاكه قبل ذلك الوقت ، فهذا يدل [على](٨) ما ذكرنا. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ).
قال الحسن : قوله : (بِما أَغْوَيْتَنِي) : أي : لعنتني. وهذا منه احتيال وفرار عن مذهب
__________________
(١) ثبت في حاشية ب : ونظرا للوجوه التي يمكن تعريف الأولياء بها ما اختصهم به ، فما المرجح لهذا على غيره؟ إذ يجوز أن يصرفهم بالإلهام مثلا. كاتبه.
(٢) بياض بالأصل نبّه عليه الناسخ.
(٣) في أ : ينشق.
(٤) في أ : على.
(٥) في أ : حكم.
(٦) في ب : ويعادون.
(٧) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٤).
(٨) سقط في أ.