اخرج من الأرض إلى جزائر البحر. وقال بعضهم (١) : اخرج من الجنة ، وأمثاله أو اخرج من صورة الملائكة إلى صورة الأبالسة ، وجائز أن يقال : اخرج من كذا : أي : تحول من مكان كذا إلى مكان كذا على حقيقة الخروج ، ولسنا ندري كيف كان كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَجِيمٌ) قيل (٢) : الرجيم : الملعون. وقيل : الرجيم : ما يرجم بالكواكب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ).
اللعنة : هي الطرد ـ في اللغة ـ والخذلان ، طرد عن رحمته إلى يوم الدين ، حتى لا يهتدي إلى دين الله وهداه ، ثم يوم الدين له العذاب الدائم واللعنة القائمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
لعن اللعين ، وطرد عن رحمته إلى يوم الدين ؛ أي : لا تدركه الهداية ؛ لأن الهداية في الدنيا إنما تدركه برحمته ، والرحمة في الآخرة هي العفو عما لزمه ؛ ووجب عليه.
مسألة تكلموا فيها : ما الحكمة في خلق الله تعالى إبليس ؛ مع علمه ما يكون منه : من إفساد خلقه ، والدعاء إلى المعاصي ، وإنظاره إلى يوم الوقت المعلوم ؛ وقد علم أنه إنما ينظره ؛ ليفسد عباده ، [فمع ما](٣) علم أنه (٤) يكون منه فما الحكمة في خلقه؟
قال بعضهم : خلق إبليس وأهل المعاصي ؛ مع علمه ذلك ؛ ليعلم أنه لم يخلق لمنافع نفسه ، ولا لحاجة نفسه ، وأن معاصيه لا تضره ، ولا تدخل نقصانا في ملكه ، فخلقه ـ مع علمه بما يكون منه ـ ليعلم أنه لم يخلق الخلق لمنافع نفسه ولا لحاجته ، ولكن لمنافع أنفسهم ولحاجاتهم.
وقال بعضهم : خلق الأعداء والأولياء ؛ نظرا للأولياء ؛ ليعلم أولياؤه الاختصاص الذي اختصهم به ، ولو كانوا جميعا أولياءه ـ لم يعرفوا (٥) فضيلة الله ؛ واختصاصه إياهم ، وهكذا النعم وإحسان الله ، لا يعرف بنفس النعم ونفس الإحسان ؛ وإنما يعرف بالبلايا والشدائد التي تحل ، فعلى ذلك الأولياء : لو لم يكن الأعداء لم يعرفوا اختصاص الله
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٥٠).
(٢) قاله قتادة وابن جريج ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢١١٧٢ ، ٢١١٧٣).
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : ما.
(٥) في ب : يعلموا.