اشتهى بعضهم زيارة بعض ، ولا يكونون مدبرين ؛ ولا معرضين ، بل مقبلين ، يخبر عن اجتماعهم في الآخرة في الشراب ، وأنواع المطاعم على ما يستحسن في الدنيا الإخوان بينهم الاجتماع على الشراب والطعام ، والتلذذ ، والنظر بعضهم إلى بعض ، فعلى ذلك أخبر أن لهم في الآخر كذلك اجتماع في الشراب ، والنظر ، وأنواع التلذذ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ).
أي : عناء ومشقة ، أخبر أنه لا عناء يمسهم كما يكون في الدنيا ؛ لأن في الدنيا : من أطال المقام في موضع يملّ عن ذلك ويسأم ، وكذلك إذا أكثر من نوع من الطعام (١) ؛ أو الشراب ، أو الفاكهة ـ يملّ عن ذلك ويسأم ، ويؤذيه ، ولا يوافقه ، فأخبر أن أهل الجنة لا يملون ولا يؤذيهم طعامها ؛ وإن أكثروا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ).
أخبر أنهم لا يخرجون منها ، ولا هم يطلبون الخروج منها ؛ كقوله : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الكهف : ١٠٨] ؛ لأن خوف زوال النعم ينغص (٢) على صاحبها تلك النعمة ، وطعمها ؛ فأخبر أنهم فيها أبدا ، وتلك (٣) النعمة لهم دائمة غير زائلة عنهم والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
قال بعضهم : (نَبِّئْ عِبادِي) أي : أخبرهم (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لمن استغفرني وتاب عما ارتكب من معاصيه ، (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) لمن عصاني ، ولم يستغفر ، ولم يتب إليه.
ويحتمل غير هذا ؛ وهو أن يقول : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لئلا ييئسوا من رحمتي ، ولا يقنطوا مني ، ولكن يرجون رحمته وعفوه (٤) ، ويخافون عذابه ونقمته ، ونبئهم أيضا أن عذابي هو العذاب الأليم لئلا يكونوا آمنين أبدا ؛ فيكون فيه أمر بأن يبشر ، وأن ينذر ؛ كأنه قال بشر أوليائي أني أنا الغفور الرحيم لأوليائي ، وأن عذابي شديد أليم لأعدائي.
وفي قوله : (نَبِّئْ عِبادِي) فيه بشارة ونذارة : أما البشارة : فهو قوله : (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، و [أما](٥) النذارة : فهو قوله : (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ).
__________________
(١) في أ : المطاعم.
(٢) في أ : ينقص.
(٣) في ب : أو.
(٤) ينظر : اللباب (١١ / ٤٦٥ ، ٤٦٦).
(٥) سقط في ب.