الكفر بالله ، وإن كان يسمى بدون الله كفرا وإيمانا ؛ كما قلنا : الكتاب المطلق كتاب الله ، والدين المطلق دين الله ؛ وإن كان اسم الكتاب والدين يقع على ما دونه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ).
ذكر الانتقام منهم ؛ ولم يذكر هاهنا بم كان الانتقام ، وقال في آية أخرى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) [الأعراف : ٧٨] وقال في آية أخرى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) [الحجر : ٧٣] وقال في آية أخرى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) [الشعراء : ١٨٩] فيحتمل أن يكون الرجفة لقوم ؛ والصيحة لقوم ؛ وعذاب يوم الظلة لقوم منهم ، أو كان كله واحدا ؛ فسماها بأسماء مختلفة ، وليس لنا إلى معرفة ذلك العذاب (١) حاجة ـ سوى ما عرف أنهم إنما أهلكوا أو عذبوا بالتكذيب ؛ ليكون ذلك آية لمن بعدهم ؛ ليحذروا مثل صنيعهم. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) للرسل ؛ كما انتقمنا من قوم لوط للوط ؛ بسوء صنيعهم ، وسوء معاملتهم إياه ، فعلى ذلك ننتقم من أهل مكة لمحمد صلىاللهعليهوسلم ؛ بسوء صنيعهم ومعاملتهم إياه ، وقد كان ما نزل بأصحاب الأيكة كفاية مزجر لهم ، وعظة لا يحتاج إلى ذكر ما نزل بقوم لوط.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُما) قال بعضهم (٢) : يعني قوم لوط ، وقوم شعيب.
وقوله : (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) : أي : طريق مستبين ؛ أي : بين هلاكهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ، (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) ـ واحد ؛ أي : بيّن واضح آثارهم من سلك ذلك الطريق ؛ أو دخل قراهم ومكانهم (٣) ـ لاستبان له (٤) آثار هلاكهم ؛ وما حل بهم.
وقوله : (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) : أي : طريق يؤمّ ، ويقصد ؛ بيّن واضح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ).
قال أهل التأويل (٥) : أصحاب الحجر : هم قوم صالح ثمود ، وقالوا : الحجر : هو اسم واد. وقيل : هو اسم القرية على شط الوادي ؛ نسبوا إليه.
وقوله : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) قال أهل التأويل (٦) : يعني بالمرسلين [ولم
__________________
(١) في ب : الكتاب.
(٢) قاله البغوي (٣ / ٥٥).
(٣) في أ : ومكان.
(٤) في أ : لهم.
(٥) قاله قتادة ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٤).
(٦) قاله البغوي (٣ / ٥٥).