بينهما ، وما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [ص : ٢٧] لم يكن ظنهم أنه خلقهما باطلا ؛ ولكن لما أنكروا البعث صار في ظنهم خلقهما باطلا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ).
قال بعضهم (١) : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) : [أي : أعرض عنهم](٢) ، ولا تكافئهم بما آذوك بألسنتهم وفعلهم (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فإني (٣) أكافئهم عنك على أذاهم إياك وصنيعهم يومئذ.
والصفح الجميل : هو ما لا نقض (٤) فيه ولا منّة في العرف ؛ أي : اصفح الصفح ما يوصف فيه بتمام الأخلاق ، وما لا نقض فيه ولا منّة يحتمل الصفح الجميل : هو أن يصفح ولا يمنّ عليهم ، كأنه أمره أن يصفح صفحا لا منّة فيه.
(وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فتجزى أنت على صفحك الجميل ؛ وهم على أذاك. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه على علم بما يكون منهم من المعصية والخلاف خلقهم ، لا خلقهم عن غفلة وجهل بذلك ؛ ليعلم أنه لم يخلق الخلق لحاجة نفسه ولا لمنفعة نفسه ، ولكن خلقهم ليمتحنهم بما أمرهم به ونهاهم ، ولما يرجع إلى منافعهم وحوائجهم.
والثاني : إن ربك هو الخلاق لخلقه ؛ العليم بمصالحهم بأن الصفح الجميل لهم ، ذلك أصلح في دينهم من المكافأة. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).
اختلف في قوله : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) : قال بعضهم (٥) : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) : المثاني : هو القرآن كله ؛ كقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) [الزمر : ٢٣]. وقيل : سمي مثانيا لترديد الأمثال فيه والعبر والأنباء ؛ فإن كان على هذا فيكون قوله : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) : أي : سبعا من القرآن العظيم.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٧ / ٥٣٢) ، والبغوى (٣ / ٥٦).
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : فإذا.
(٤) في أ : نقص.
(٥) قاله أبو مالك ، أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير (٢١٣٤٥ ، ٢١٣٤٧) وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٧).