قال بعضهم : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) : أي : استقم كما تؤمر ؛ كقوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) [هود : ١١٢].
فهو في كل ما أمر به.
وقال بعضهم : اصدع : أي : امض بما تؤمر من تبليغ الرسالة.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
أي : أعرض عن مكافأتهم ؛ ومعناه ـ والله أعلم ـ امض على ما تؤمر ؛ من تبليغ الرسالة إليهم ولا تخفهم ، ولا تهبهم ، ولا يمنعنك شيء عن تبليغ الرسالة ؛ الخوف ، ولا القرابة ، ولا شيء من ذلك ، ولكن امض على ما تؤمر ؛ وهو كما قال : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا) [المائدة : ٨] وقال : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النساء : ١٣٥] أي : لا يمنعكم عن القول بالحق والعدل بغضكم إياهم ، ولا قرابتكم التي فيما بينكم ، فعلى ذلك قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) : أي : امض على ما أمرت من تبليغ الرسالة ، ولا يمنعنك (١) عن ذلك : الخوف ، والوعيد ، والقرابة التي فيما بينك وبينهم.
وقال القتبي (٢) : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) : أي : أظهر ذلك ، وأصله : الفرق والفتح ؛ يريد : اصدع الباطل بحقك ؛ حتى يأتيك الموقن به ؛ وهو الموت.
وقال أبو عوسجة : اصدع : أي : امض على ما تؤمر (٣) ، وصدعت : أي : مضيت ؛ وذلك من المضى ، وأصل هذا كله : الشق ، ويقال : تصدعوا : أي : تفرقوا. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي : أعرض عن مكافأتهم ؛ فأنا أكافئهم عنك على ما آذوك.
وقال بعض أهل التأويل (٤) : قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) هو منسوخ بآية السيف ؛ لكن على الوجه الذي ذكرنا ليس بمنسوخ ، ويحتمل : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ؛ إن كان أراد به القتال والدعاء إلى التوحيد فهو في وقت دون وقت أو في قوم خاص علم (٥) الله أنهم لا يجيبونه ولا يؤمنون به أيئس رسوله عن إيمانهم فقال : أعرض عن هؤلاء ولا
__________________
(١) في أ : يمنعك.
(٢) تفسير غريب القرآن (٢٤٠).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١٤٠٥) وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما فى الدر المنثور (٤ / ١٩٩).
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٤١٥).
(٥) في أ : على.