وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها).
يحتمل قوله : (خَلَقَها لَكُمْ) على الظاهر ؛ أن خلق هذه الأشياء وخلق لنا فيها دفئا ومنافع ؛ كقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩].
ويحتمل قوله : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ) : أي : هو خلقها ، ثم أخبر أنه خلق لنا فيها منافع يذكر أنواع المنافع والنعم التي أنعم علينا ، مفسرة مبينة ، واحدة بعد واحدة ؛ في هذه السورة ، وفي غيرها من السور ، إنما ذكرها مجملة غير مشار إلى كل واحدة منها ؛ على ما أشار في هذه السورة ؛ ليقوموا بشكرها ، وليعلموا قدرته على خلق الأشياء لا من الأشياء.
ثم قوله : (فِيها دِفْءٌ) : قال بعضهم (١) : الدفء نسل كل دابة.
وقال بعضهم (٢) : ما ينتج منه. وقال القتبى (٣) : الدفء ما استدفأت به ، ويشبه أن يكون تفسير الدفء والمنافع الذي ذكر هو ما فسّر في آية أخرى ؛ وهو قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ ...) الآية [النحل : ٨٠] جعل الله ـ عزوجل ـ الأنعام وما ذكر وقاية لجميع أنواع الأذى من السماوي وغيره ؛ مما يهيج من الأنفس من الحرّ ، والبرد ، والجوع ، وغير ذلك مما يكثر عدها ، ويطول ذكرها ، وجعل فيها منافع كثيرة : من الركوب ، والشرب ، والأكل ؛ كما قال : (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ) [يس : ٧٣] وقال : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) [المؤمنون : ٢١] وأخبر أيضا أن فيها جمالا وزينة ؛ بقوله : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).
فإن قال قائل : أي جمال يكون لنا فيها حين الإراحة وحين السرح.
وقال بعض أهل التأويل (٤) : وذلك أنه أعجب ما يكون ؛ إذا راحت عظاما ضروعها ، طوالا أسنمتها. (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) إذا سرحت لرعيها.
أو أن يكون الجمال عند الإراحة والسرح : شرب ألبانها ، وقرى الضيف من ألبانها ؛ في الرواح والمساء.
وقال بعضهم قوله : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) : وذلك أنهم كانوا
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١٤٦٤ ، ٢١٤٦٥) وعبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٠٦).
(٢) قاله مجاهد بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٤٦٩).
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٤١).
(٤) قاله قتادة ، أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه (٢١٤٧٠ ، ٢١٤٧١) كما في الدر المنثور (٤ / ٢٠٦).