يقول : الذي خلق لكم ما ذكر من الأشياء هو الذي أنزل من السماء ماء لكم ؛ منه شراب ، ومنه شجر هذا يحتمل ما ذكرنا : أنه أنزل من السماء ماء [لنا](١) ؛ ثم أخبر أنه منه شراب ، ومنه شجر.
ويحتمل : هو الذي أنزل من السماء ماء ، ثم أخبر : (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ).
ثم يحتمل قوله : (مِنْهُ شَرابٌ) جميع ما يشرب من الأشربة ؛ إذ منه تكون الأشربة جميعا ؛ وجميع الأشياء.
ويحتمل (مِنْهُ شَرابٌ) الماء خاصة.
(وَمِنْهُ شَجَرٌ) : الشجر : معروف ؛ هو الذي يعلو ويرتفع في الأرض ؛ لا يسمى الحشيش وما ينبسط (٢) على وجه الأرض شجرا ، فظاهر هذا أن يرجع إلى ذلك المعروف ؛ إلا أنه ذكر شجرا (فِيهِ تُسِيمُونَ) : أي : تزرعون ، دل هذا أنه إنما أراد بالشجر المنبسط على وجه الأرض والمرتفع عليها.
وقال القتبي (٣) : السائمة : الراعية ، وكذلك قال أبو عوسجة ، وقال أبو عبيدة (٤) : أسمت سائمتى : أي : رعيتها ؛ وكذلك قوله : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) [آل عمران : ١٤] أي : الراعية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ).
أي : ينبت لكم بالماء الذي ذكر أنه أنزل من السماء الزرع ، والزيتون ، وجميع ما ذكر ، جعل الله ـ بلطفه ـ الماء لقاح كل الأشياء المختلفة والمتفقه ، ليس كغيره من الدوابّ ؛ حيث لم يجعل لقاح شيء من جنس آخر ، إنما جعل لقاح كل نوع من نوعه ، وجعل في الماء بلطفه سرية توافق جميع الأشياء المختلفة ، لو اجتمع الخلائق على إدراك ذلك ـ وإن اجتهدوا ـ لم يقدروا عليه ، يعرفون الماء ظاهرا ؛ ولكن لا يدركون ما فيه من اللطف والسرية ؛ التى (٥) يكون بها حياة كل أحد وموافقته.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
ذكر أن فيه آية لقوم يتفكرون ، ولم يذكر أنه لما ذا؟ لكنه ذكر أنه آية لقوم يتفكرون ؛
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : يبسط.
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٤٢).
(٤) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٥٧).
(٥) في أ : الذي.