بالتفكر يعرف أنه آية لما ذا ، وهذا يدلّ على أن الأشياء التي غابت عنا ظواهرها بالتفكر والنظر تدرك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ) وما ذكر.
ووجه تسخير هذه الأشياء لنا : هو أن الله خلق هذه الأشياء ، وجعل فيها منافع للخلق ؛ تتصل تلك المنافع إلى الخلق شئن ؛ أو أبين أحببن (١) أو كرهن ؛ جعل في النهار معاشا للخلق ؛ وتقلبا فيه يتعيشون ويتقلبون ، وجعل الليل راحة لهم وسكنا ، ينتفعون بهما شاءا أو أبيا ، وكذلك ما جعل في الشمس والقمر والنجوم من المنافع : من إنضاج الفواكه والثمرات ، وإدراك الزروع وبلوغها ، ومعرفة الحساب والسنين والأشهر (٢) ، ومعرفة الطرق والسلوك بها ، وغير ذلك من المنافع ما ليس في وسع الخلق إدراكه ، ينتفع الخلائق بما جعل فيها من المنافع شاءت هذه الأشياء أو أبت ، فذلك وجه تسخيرها لنا.
ويحتمل ما ذكر من تسخير هذه الأشياء لنا : ما جعل في وسعنا استعمال هذه الأشياء ؛ والانتفاع بها ، والخيل التي بها نقدر على استعمالها في حوائجنا.
ويحتمل تسخيرها لنا : ما ينتفع بهن شئن أو أبين بالطباع. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ).
يحتمل وجهين : يحتمل : أي : بأمره تنفع الخلائق ويحتمل (بِأَمْرِهِ) : أي : كونها في الأصل هكذا ؛ بأن تنفع الخلق. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
قال في الآية الأولى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) جعل الله تعالى التفكر سبيلا للعقول إلى إدراك الأشياء المغيبة بالحواس الظاهرة ؛ إذ لا سبيل للعقل إلى إدراك ما غاب عنه إلا بالحواس الظاهرة ، [والتفكر فيها ؛ لأن ما غاب عن الحواس الظاهرة](٣) لا يدركه العقل ؛ فجعل الحواس الظاهرة سبيلا للعقول إلى إدراك (٤) المغيب عنها.
ذكر ـ عزوجل ـ في الآية الأولى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، وذكر في الآية الثانية : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، وفي الآية الثالثة : (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) ، وفي الرابعة : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : فهو ـ والله أعلم ـ كرره على مراتب ؛ لأنه بالتفكر فيها يعقل ويعلم ، ثم بعد العلم والعقل والفهم
__________________
(١) في أ : أجبن.
(٢) في ب : الشهور.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : درك.