يتذكر ، وإذا تذكر عند ذلك شكر نعمه ، ثم قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) و (يَتَفَكَّرُونَ) وما ذكر فيه : دلالة وحدانية الله تعالى ، ودلالة تدبيره وعلمه وحكمته ، ودلالة بعث الخلائق ، ودلالة قدرته وسلطانه ؛ لأن الليل والنهار يأتيان الجبابرة والفراعنة ، ويذهبان بعمرهم ويفنيانه ؛ شاءوا أو أبوا ، فذلك آية سلطانه وقدرته ؛ ليعلم أن له [السلطان والقدرة](١) لا لهم ، وفيهما دلالة البعث ؛ لأنه إذا أتى هذا ذهب الآخر حتى لا يبقى له أثر ، ثم ينشئ مثله بعد أن لم يبق من الأوّل شيء ولا أثر ، فالذي قدر على إنشاء النهار أو الليل بعد ما ذهب أثره وتلاشى ـ لقادر على إنشاء الخلق بعد ما ذهب أثرهم.
وكذلك الشمس ، والقمر ، والنجوم ، وما ذكر : لما اتسق هذا كله على سنن واحد ؛ وتقدير واحد ؛ على غير تفاوت فيها ولا تفاضل ، وعلى غير تقديم ولا تأخير بل جرى كله على سنن واحد ، وتقدير واحد ، وميزان واحد ؛ من غير تفاوت [ولا تفاضل](٢) ولا اختلاف. دلّ أنه على تدبير واحد خرج ذلك ، لا على الجزاف ، وأن مدبر ذلك كله واحد ؛ إذ لو كان تدبير عدد لخرج مختلفا متفاوتا ، فدل أنه تدبير واحد لا عدد ، وأنه على تدبير غير خرج وجرى كذلك ، لا بنفسه ، وأنه على حكمة ، وعلم جرى كذلك ، فدل على لزوم الرسالة والعبادة له ؛ فهذا ـ والله أعلم ـ تأويل قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي : مختلفا أصنافه وجواهره.
يخبر ـ عزوجل ـ [عن](٣) قدرته ، وسلطانه ، ونعمه التي أنعم عليهم بها (٤). أما سلطانه وقدرته : ما خلق في الأرض وأنبت فيها بالماء لم يرجع إلى جوهر الأرض وجنسها ، ولا إلى جوهر الماء وجنسه ، وهما كالوالدين : الماء كالأب ، والأرض كالأم ، فلم يرجع ما خرج منهما من جنسهما ، ولا من جوهرهما ؛ كما كان في سائر الأشياء رجع التوالد منها إلى جنس الوالدين وجوهرهما ؛ بل رجع التوالد والنشوء من الأرض والماء إلى جنس البذر (٥) وجوهره ؛ ليعلم قدرته وسلطانه على (٦) إنشاء الأشياء ؛ بأسباب وبغير
__________________
(١) في ب : القدرة والسلطان.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : أنعمها عليهم.
(٥) في أ : البدء.
(٦) في أ : إلى.