الحقيقة عباد إلهين ؛ لأنهم إنما كانوا يعبدون تلك الأصنام بأمر الشيطان وطاعتهم إياه ، فنسب العبادة إليه ؛ لما بأمره يعبدون هذه الأصنام والله أعلم ؛ ألا ترى أن إبراهيم قال لأبيه : (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) [مريم : ٤٤] وإن كان في الظاهر لا يعبد الشيطان ، لكن لما بأمره يعبد الأصنام أضاف العبادة إليه ، أو أن يكون المراد من ذكر اثنين : إنما هو على الزيادة على الواحد ، كأنه قال : لا تتخذوا ولا تعبدوا أكثر من إله واحد (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
لا تخافون الأصنام التي تعبدونها ؛ فإنكم إن تركتم عبادتها لا تضركم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
أي : وله يخضع ما في السموات والأرض وأنتم لا تخضعون ، أو ما في السموات والأرض كلهم عبيده وإماؤه ؛ فكيف أشركتم عبيده في ألوهية الله تعالى وربوبيته؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً).
قال بعضهم (٢) : دائما ؛ لأن غيره من الأديان كلها يبطل ويضمحل ، ويبقى دينه في الدارين جميعا.
وقال بعضهم (٣) : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي : مخلصا ، من الوصب [والنصب](٤) والتعب ، وتأويله ـ والله أعلم ـ : أي : وله دين لا يوصل إليه إلا بتعب وجهد ؛ فاجتهدوا واتعبوا ؛ لتخلصوا له الدين ؛ هذا معنى قوله : (مخلصا).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ).
أي : أمخالفة غير الله تتقون ؛ أي : لا تخافوا ولكن اتقوا مخالفة [الله لا تتقوا مخالفة](٥) غيره.
أو يقول : لا تخافوا غير الله ولا تتقوا سواه ، ولكن اتقوا الله واتقوا نقمته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ).
أي : تتضرعون ؛ يخبر عن سفههم وقلة عقلهم أنهم يعلمون أن (٦) له ما في السموات والأرض ، وأن كل ذلك ملكه ، وأن ما لهم من النعمة منه ، وأن ما يحل بهم من البلاء
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٧٧ ، ٧٨).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٢١٦٤٢) ، وعن عكرمة (٢١٦٤٣) ، و (٢١٦٤٤) ، ومجاهد (٢١٦٤٥) ، و (٢١٦٤٦) ، وغيرهم وانظر : الدر المنثور (٤ / ٢٢٥).
(٣) قاله مجاهد بنحو أخرجه ابن جرير عنه (٢١٦٥٣) و (٢١٦٥٤).
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : أنه.