والشدة هو الكاشف لهم والدافع عنهم ، ثم يكفرونه ويصرفون (١) شكرها منه إلى غيره في حال الرخاء والسعة ، ويؤمنون به في حال الشدة والبلاء ؛ فيقول : أنا المنعم عليكم تلك النعم ، وأنا المالك للكشف (٢) عنكم لا الأصنام التي عبدتموها ، فكيف كفرتم بي في وقت الرخاء والسّعة وآمنتم بي في وقت الضيق والبلاء؟! كانوا يخلصون له الدين في وقت ويشركون غيره في وقت ، فيقول : أديموا لي الدين بقوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) ولا تتركوا الإيمان بي في وقت وتؤمنوا بي في وقت ، وكذلك كان عادتهم : كانوا يكفرون بربهم في حال الرخاء والسعة ، ويؤمنون به في حال البلاء والشدة ؛ كقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ ...) [العنكبوت : ٦٥] الآية.
ويحتمل أن يكون فرض الجهاد على المسلمين والقتال معهم لهذا المعنى ؛ لأن من عادتهم الإيمان في وقت البلاء والشدة والخوف ، ففرض عليهم القتال معهم ؛ ليضطروا إلى الإيمان فيؤمنوا ويديموا الإيمان ، ومنذ فرض القتال معهم كثر أهل الإسلام فدخلوا فيه فوجا فوجا ، وكان قبل ذلك يدخل فيه واحدا واحدا.
وفيه دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم [حيث](٣) قال : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) فإنما أخبر عما عرفوا وتقرر عندهم أن كل ذلك من عند الله ؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يجعلوا ما آتاهم الله وأنعم عليهم سبب كفرهم بالله.
والثاني : يكفرون بنعم الله ـ تعالى ـ بعبادتهم الأصنام ، وصرفهم الشكر عنه.
ويشبه أن يكون إخباره عن سفههم من وجه آخر ؛ وهو أنهم لم يروا في البشر أحدا يطاع ويخضع إلا أحد رجلين : دافع بلاء عنه ، أو جارّ نفع إليه ، فالأصنام التي عبدوها ليس منها دفع بلاء ولا جرّ منفعة ، فلما ذا يعبدونها؟
وقال أبو بكر : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) : [أي](٤) بالقرآن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
هذا وعيد من الله لهم ، يقول : فسوف تعلمون ما ينزل بكم من كفران نعمة وصرف
__________________
(١) في أ : ويعرفونه.
(٢) في أ : عن الكشف.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.