الشكر عنه أنه مهلكهم ومنزل بهم (١) عذابه.
وفي قوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ).
أي : تتضرعون ، موعظة للمؤمنين أيضا ؛ لأنهم يجعلون يتضرعون إلى الله إذا أصابهم الضر والبلاء ، وإذا انكشف ذلك عنهم تركوا ذلك التضرع ونسوا ربهم ؛ فيعظهم لئلا يصنعوا مثل صنيع أولئك ، يقول والله أعلم ؛ أي : تعلمون أن ما بكم من نعمة فمن الله ؛ فكيف تصرفون شكرها إلى غيره في حال؟!.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَجْعَلُونَ) أي : يقولون (لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ).
[قال بعضهم (٢) : يجعلون للأصنام والأوثان التي يعبدونها نصيبا مما رزقناهم](٣) من الأنعام والحرث وغيره الذي جعل الله لهم.
ولا يعلمون لهم نصيبا في ذلك ؛ وهو كقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) [الأنعام : ١٣٦] حرموا على أنفسهم ما جعل الله لهم وجعلوه لآلهتهم.
ويحتمل قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً) وهو الشيطان ؛ أي : ما يجعلون للأوثان ، فذلك للشيطان في الحقيقة ، لأنه هو الذي أمرهم بذلك ، وهو الذي دعاهم إلى ذلك ، وهو كقوله : (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) [مريم : ٤٤] ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ، لكنهم إذا عبدوا الأوثان فكأن (٤) قد عبدوا الشيطان ؛ لأنه هو أمرهم بذلك ، وهو دعاهم إلى ذلك ، فعلى ذلك ما يجعلون للأوثان ذلك للشيطان لما ذكرنا ، لكن لا يعلمون أن ذلك له نصيب.
ويحتمل قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً) أي : يعلمون أن ليس لها نصيب في ذلك ، ولكن يجعلون ذلك لها على علم منهم أن لا نصيب للأوثان في ذلك ، وهو كقوله : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [يونس : ١٨] أي : أتنبئون الله بما يعلم أنه ليس ونحوه ، أي : يعلم غير الذي تنبئون ، وقد ذكرنا قوله : (يَجْعَلُونَ) على القول ، أي : يقولون : وإلا لا يملكون جعل ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ).
__________________
(١) في ب : به.
(٢) قاله مجاهد وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢١٦٥٨) و (٢١٦٥٩) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٢٢٦).
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : كان.