قال بعضهم : قول العرب : قبح الله وجهك ، وسوّد الله وجهك ليس على إرادة [السواد والقبح](١) ، ولكن على إرادة ما يكرهه.
وقال الحسن (٢) : قوله : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) أي : متغيرا من الغم وهو كظيم : أي : حزين ، وهكذا العرف في الناس أنه إذا اشتد بهم الحزن والغم ، يظهر ذلك في وجوههم قبحا وسوادا (٣).
(يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ).
يذكر فيه كيف يصنع به : أيمسكه على هون أي : على هوان يضر به ويسيء صحبته أم يدسّه في التراب وهو حي ؛ فيقول : إن ربي اختار البنات فأبعث بها إلى ربى ، فإنه أحق بها ، وهي الموءودة التي قال الله : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) [التكوير : ٨] وإنما كانوا يصنعون ذلك خشية إملاق ؛ كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) في جعلهم لله ما كرهوا لأنفسهم ، أو في قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ، أو في قولهم : (هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) [الأنعام : ١٣٦] ونحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ).
قال بعضهم : قوله : (مَثَلُ السَّوْءِ) أي : لهم جزاء السوء ؛ وهو النار.
وقال الحسن : مثل السوء : أي : صفة السوء التي وصفوا بها ربهم أنه اختار البنات.
(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى).
أي : الصفة الأعلى التي ليس لها شبه ؛ فإن تلك الصفة من صفته ، ويشبه أن يكون قوله : (مَثَلُ السَّوْءِ) بما سمّاهم مرة موتى ، ومرة فسقة ، ومرة ظلمة ، ومرة هم في الظلمات ، وأمثاله ، لهم ذلك الوصف بما أنكروا الآخرة ، وذلك مما توجبه (٤) الحكمة والعقل والشريعة ، فلهم ذلك الوصف والمثل السوء ؛ بما أنكروا ما توجبه الحكمة والعقل والشريعة.
ويحتمل (مَثَلُ السَّوْءِ) : شبه السوء.
ويحتمل (مَثَلُ السَّوْءِ) : النعت والصفة ، فإن كان هو على الشبه فهو في الدنيا ؛ لما
__________________
(١) في ب : القبح والسواد.
(٢) قاله البغوي (٣ / ٧٣) ، دون أن ينسبه لأحد.
(٣) ينظر : اللباب (١٢ / ٨٩ ، ٩٠).
(٤) في أ : يوجب.