قدرته وسلطانه ، حيث أخبر أنه ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض وهي ميتة ، ويخرج منها نباتا وزروعا وأشجارا ، فمن قدر على هذا لقادر على إحياء الأنفس (١) بعد موتها لأنه (٢) لا فرق بين الإحياءين [إحياء الأرض وإحياء الأنفس](٣) ، إذ من (٤) قدر على أحدهما قدر على الآخر (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكر (٥)(لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) قال بعضهم : لآية لقوم يسمعون المواعظ.
وقال بعضهم : لآية لقوم يسمعون الآيات والحجج ، وأما من لم يسمع فلا يكون له آية ، وأصله : إن في ذلك لآية لقوم ينتفعون بسماعهم ، ولآية لقوم يعقلون ، أي : ينتفعون بعقولهم ، وأصله أن هذا كله يصير آية للمؤمنين على ما ذكر كله ؛ لأنهم هم العاقلون عن الله ما أمرهم به ونهاهم عنه ، وهم يسمعون آياته ومواعظه ، وكله كناية عن المؤمنين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) والعبرة الآية ، أي : أنشأ لكم أنعاما فيه الآية ، هو صلة قوله : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي : أنزل من السماء ماء ، وأنشأ الأنعام لكم فيه الآية أنشأ ـ عزوجل ـ في الأنعام لبنا غذاء الأولاد ، في الوقت الذي لا يحتمل الغذاء بالعلف ، وجعل لأربابها الانتفاع بذلك اللبن وفي الأشياء التي لا يؤكل لحمها لم يجعل لأربابها الانتفاع بما يفضل من اللبن ، ولم يجعل لها فضل لبن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ذكر بالتذكير ، فظاهره أن يذكر بالتأنيث ؛ لأنه إما أن يريد به الأمهات التي يدر منها اللبن أو جماعة من الذكران (٦) منها ، فكيفما كان فهو يذكر بالتأنيث ، لكن بعضهم يقول : ذكر باسم التذكير على إرادة الأصل الذي به كان اللبن ، وهو الفحل ، وهذا يدل لأبي (٧) حنيفة وأصحابه ـ رحمهمالله ـ لقولهم في لبن الفحل أنه يحرم.
وقال بعضهم : ذكر باسم التذكير على إرادة الجنس والجوهر من بين الأجناس
__________________
(١) في أ : الأرض.
(٢) في ب : إذ.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : فمن.
(٥) في ب : ذكرنا.
(٦) في أ : المذكر أن.
(٧) في أ : إلى أبي.