سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً) ونحوه ، ظاهره أمر ، لكن حقيقته تمكين وتسهيل ، نحو قوله : سيروا في كذا ، هو في الظاهر أمر ، وفي الحقيقة تمكين وتيسير.
ثم في هذه الآية ، وفي قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ) وفيما سبق من الآيات ، وهو قوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) وفي قوله : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) دلالة قدرته على إنشاء الأشياء من لا شيء ، ودلالة علمه وتدبيره ؛ لأنه أخرج من هذه الجواهر المختلفة أشياء من غير جوهرها [وجنسها](١) ما لم يكن شيء مما أكل منها هذه البهائم من الجواهر التي أخرج منها ، من نحو العسل الذي أخرج من الفواكه التي أكلت ، واللبن من العلف الذي أكل ، والعصير والسكر والأعناب من الكروم ؛ إذ ليس شيء خرج منها من جنس ما أكل ، ولا من جوهر ما سقى ، دل أنه كان فعل عليم قادر على إنشاء الأشياء من لا شيء ولا سبب ، وفيه دلالة علمه وتدبيره وحكمته ؛ لأن إنشاء ذلك اللبن في البطن على غير جوهر ما تناولت ، ومن خلاف لونه في تلك الظلمات دل أن علمه وتدبيره غير مقدر بعلم الخلق ، وأن حكمته غير مقدرة بحكمة الخلق ، وكذلك قدرته غير مقدرة بقدرة الخلق ، ثم قوله : (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) قيل : طرق ربك ذللا ، وقيل مطيعة ، وقيل من الذل ، أي : الرفق واللين ، كقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ٥٤] وقوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ ...) [الحجر : ٨٨] الآية من الذل ، ومن الرفق واللين ، وهذا يخرج على وجهين.
أحدهما : ذللت سبل ربها ، وسهل السلوك فيها حتى تسلك كيف شاءت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) قيل : مما يبنون ، ويحتمل (٢) مما يتخذ من العريش ، وهو الذي يتخذ من الخشب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ).
قال الحسن : الشهد والعسل.
وقال بعضهم (٣) : مختلف في الطعم ، وقيل : في الألوان : الأبيض ، والأحمر ، والأصفر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) [قال بعضهم (٤) : فيه شفاء للناس](٥) من كل
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : ويتخذ.
(٣) قاله البغوي (٣ / ٧٦).
(٤) قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢١٧٥١) ، (٢١٧٥٤) ، (٢١٧٥٥) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٢٣٠).
(٥) سقط في أ.