وقال بعضهم : (حَياةً طَيِّبَةً) في الدنيا (١).
فمن قال : الحياة الطيبة هي الجنّة ، في الآخرة ، يكون تأويله : من يكن عمله في الدنيا صالحا فليحيينه الله في الآخرة حياة طيبة ؛ وإلا ظاهر قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) إنما هو على عمل واحد ، وكذلك قوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] : ظاهره على حسنة واحدة ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا : من يكن عمله في الدنيا صالحا فيفعل ما ذكر. وقوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) ، أي : ما تؤتينا في الدنيا آتنا حسنة ، أو أن يكون على الختم به ، أي : من ختم بالعمل الصالح فيحييه الله حياة طيبة في الجنة ، كقوله : من جاء بالحسنة فله كذا.
وقال الحسن (٢) : الحياة الطيبة هي الجنة ؛ لأن في الدنيا ما ينغص حياته.
وقال بعضهم : الحياة الطيبة في الدنيا ؛ فتأويله : من يكن همه وجهده في الدنيا العمل الصالح فلنحيينّه حياة [طيبة](٣) ، أي : نوفقه ونيسّره الخيرات والعمل الصالح والطاعات ، وهو ما روى أنه قال : «كلّ ميسّر لما خلق له» (٤) ، وكقوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [الليل : ٥ ـ ٧] ، وكقوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] ونحوه ؛ فذلك هو الحياة الطيّبة في الدنيا ؛ حيث يسّر عليه العمل الصالح ، ووفق للطاعات والخيرات.
وقال بعضهم (٥) : قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) ، أي : قنع في الدنيا بما قسم الله له ورزقه ، ورضي به ، (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) مما أزال عنه هم طلب الفضل ، وغمه ، وذلّه وحرصه عليه ؛ لأن أكثر هموم الناس في الدنيا وذلهم ؛ لما لم يرضوا بما قسم الله لهم ، ولم يقنعوا به ؛ فهو يحيا حياة طيّبة لما عصم من ذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) قال القاضي : الأقرب أنها تحصل في الدنيا ؛ لقوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل : ٩٧] ، والمراد : ما لا يكون في الآخرة.
(٢) أخرجه ابن جرير (٢١٩٠٥) ، و (٢١٩٠٦) ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٥).
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه البخاري (١٥ / ٥٠١) ، كتاب التوحيد : باب قول الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ...) [القمر : ١٧] ، (٧٥٥١) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤١) ، كتاب القدر : باب كيفية خلق الآدمي (٩ / ٢٦٤٩) ، عن عمران بن حصين ، وأخرجه البخاري (٧٥٥٢) ، ومسلم (٦ / ٢٦٤٧) ، عن علي بن أبي طالب.
(٥) قاله علي والحسن البصري ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢١٩٠١) و (٢١٩٠٢) ، وهو قول ابن عباس ، أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٤ ، ٢٤٥).