الله» ؛ إذ لا يفتتح شيء إلا به ؛ فذلك تعوذهم منه ، لكن التعوذ في هذا تعوذ بكناية ، والتعوذ في قراءة القرآن بالتصريح ؛ وذلك أنه حجة وبرهان ؛ فطعن الأعداء فيما هو حجة في نفسه أكثر من الأفعال التي فعلوها ؛ ألا ترى أنه كان يلقنهم ـ أعني الشيطان [و] أولياءه ـ أنه سحر ، وأنه : أساطير الأوّلين ، وأنه إنما يعلمه بشر ، ونحوه. وقوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) [الأنعام : ١٢١] : كانوا يطلبون الطعن في القرآن ؛ لأنه حجّة وبرهان ، ولم يشتغلوا في طعن فعل من الأفعال أو ذكر من الأذكار ؛ فعلى ذلك يجوز أن يكون التعوذ منه ـ فيما هو حجة ـ بالتصريح ، وفي غيره بكناية ، والله أعلم.
ثم في هذه الآية ، وفي غيرها من قوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] ، وقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [النحل : ٩٨] ـ لم يفهم أهلها منها على ظاهر المخرج ؛ ولكن فهموا على مخرج الحكمة ؛ لأن ظاهر المخرج أن يفهم التعوذ بعد فراغه من القراءة ، وكذلك يفهم من الأمر بالقيام إلى الصلاة الوضوء بعد القيام إليه ، ثم [لم](١) يفهموا ـ في هذا ونحوه ـ هذا ؛ ولكن فهموا : إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله ، وكذلك فهموا من قوله : (إِذا قُمْتُمْ) أي : إذا أردتم القيام إلى الصلاة (فَاغْسِلُوا) ، ولم يفهموا كل قيام ؛ إنما فهموا قياما دون قيام ، أي : إذا [أردتم] القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون ، وفهموا من قوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة : ١٠] ، وفهموا من قوله : (فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) [الأحزاب : ٥٣] ، وكذلك فهموا من قوله : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) [البقرة : ٢٠٠] ـ الفراغ منها ؛ دلّ أن الخطاب لا يوجب المراد والفهم على ظاهر المخرج ؛ ولكن على مخرج الحكمة والمعنى.
وأصل التعوذ هو الاعتصام بالله من وساوس عدوه وكيده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا).
قال بعضهم : ليس له سبيل على الذين آمنوا.
وقال بعضهم (٢) : السلطان : الحجّة ، أي : ليس له حجة على الذين آمنوا.
وقال بعضهم : أي ليس له ملك على الذين آمنوا ـ ملك القهر والغلبة ـ إنما ملكه على الذين يتولونه ، لكن ليس له ملك القهر على الذين يتولّونه أيضا ؛ إنما يتبعونه ويطيعونه
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢١٩١٨) ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٦).