بإشارات منه طوعا ؛ فدلّ أن تأويل الملك لا يصح في السلطان ، ويكون تأويله السبيل أو الحجّة.
ثم يحتمل قوله : (لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) ـ بالقرآن ؛ لأنه ذكر على أثر ذكر القرآن ، ويحتمل : الذين آمنوا بربهم ، وهما واحد في الحاصل ؛ (إِنَّما سُلْطانُهُ) : حجته أو سبيله على الذين يتخذونه وليّا ، فيطيعونه في كل أمره وجميع إشاراته وما يلقي (١) إليهم ، وأصله : ليس له سلطان على الذين آمنوا بربهم.
(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
في جميع أحوالهم وساعاتهم ؛ أي : لا سلطان له ولا سبيل على من آمن به وتوكل عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ).
[يحتمل قوله : (بِهِ مُشْرِكُونَ)](٢).
إبليس يتبعونه ويعدلون بربهم ، ويحتمل (بِهِ مُشْرِكُونَ) : بربهم ، والتوكل : هو الاعتماد به ، وتفويض الأمر إليه في كل حال : السراء والضراء وفي وقت الضيق والسّعة ؛ فذلك التوكل به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ...).
الآية تحتمل وجهين (٣) :
أحدهما : ما قاله أهل التأويل على التناسخ أن يبدّل آية مكان آية ، وهو على تبديل حكم آية بحكم آية أخرى ، لا على رفع عينها.
والثاني : قوله : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) ، أي : بدّلنا حجّة بعد حجة ، وآية بعد آية لرسالته.
(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ).
كلما أتاهم حجة على أثر حجة ، وآية بعد آية يقولون : إنما أنت مفتر. ينسبون إليه
__________________
(١) في أ : يلقون.
(٢) سقط في أ.
(٣) اعلم أنه ـ سبحانه جل ذكره ـ شرع في حكاية شبهات منكري نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : كان المشركون إذا نزلت آية فيها شدة ، ثم نزلت آية ألين منها يقولون : إن محمدا يسخر بأصحابه ؛ يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا ، ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) ، والتبديل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه ، وهو هنا النسخ.
ينظر : اللباب (١٢ / ١٥٦).