الافتراء : أنه افترى ، وكذلك كان عادتهم المعاندة والمكابرة ؛ كقوله : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [الأنعام : ٤] ، وكقوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأنبياء : ٢] ، ونحوه من الآيات. كلما أتى بهم حجة وآية بعد آية كانوا يستقبلونه بالتكذيب لها ، ونسبة رسول الله إلى الافتراء من نفسه ؛ ويزداد لهم بذلك كفرا ، وهو ما قال : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٤ ، ١٢٥] : أخبر أنه كان يزداد لأهل الإيمان بما ينزل عليهم من سورة إيمانا ، ويزداد لأهل الشرك رجسا وكفرا إلى كفرهم مثل هذا (١).
ولو كان يحتمل أن يكون حرف (إذا) مكان (لو) ـ لكان أقرب ، ويكون تأويله : ولو أنزلنا حجة بعد حجة وآية على أثر آية جديدة ـ فما آمنوا ؛ كقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) [الأنعام : ١١١] ، وكقوله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ...) الآية [الرعد : ٣١] ، أي : لو أن هذا القرآن ـ قرآن سيرت به الجبال أو كلم به الموتى ـ فما آمنوا به ؛ لعنادهم ؛ فعلى ذلك : الأول قد يحتمل قوله : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) بالسؤال مكان آية (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ).
يحتمل قوله : [(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) به صلاحهم وغير صلاحهم ، أو أن يكون](٢) : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) من تثبيت قلوب الذين آمنوا ؛ كقوله : (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) [النحل : ١٠٢] ، أو أن يكون (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) : جبريل على رسوله ؛ جوابا لقولهم : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) ، وكقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) ، أي : ليس بمفتر ؛ ولكن نزله جبريل من ربّه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ).
يحتمل قوله : (بِالْحَقِ) ، أي : بالحق الذي عليهم ، أو بالحق الذي لبعضهم على بعض. والحق في الأقوال : هو الصدق ، وفي الأفعال : صواب ورشد ، وفي الأحكام : عدل وإصابة ، والحق : هو الشيء الذي يحمد عليه فاعله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً).
__________________
(١) زاد في ب : والله أعلم.
(٢) سقط في ب.