هذا تفسير قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) ؛ لأنه أخبر أنه : ليثبت الذين آمنوا ؛ فذكر من زيادة الإيمان ـ هو التثبيت ـ الّذى ذكر هاهنا ـ قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) ، وذكر قوله : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) ـ مقابل قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥] ؛ ليعلم أن الزيادة التي ذكر في سورة التوبة ـ هي ما ذكر هاهنا من التثبيت والطمأنينة ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ).
أي : هدى من الجهالات والشبهات التي كانت تعرض لهم ، أو من الضّلالة ، وبشرى للمسلمين. وقال : في آية أخرى : (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧] ؛ ليعلم أن الإيمان والإسلام واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ).
هم لم يقولوا إنما يعلمه بشر ؛ ولكن كانوا ينصّون واحدا فلانا ، لكن الخبر من الله على ذكر البشر ؛ ألا ترى أنه أخبر أن (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ).
دلّ أن البشر ـ الذي أخبر عنهم أنهم يقولون : إنه يعلمه ـ كان منصوصا عليه مشارا إليه ؛ حيث قال : لسان هذا أعجمى ، ولسان النبي عربي ؛ فكيف فهم هذا عن هذا ، وهذا من هذا ، ولسان هذا غير لسان هذا؟! وما قاله أهل التأويل (١) : أنه كان يجلس إلى غلام يقال له كذا ، وهو يهودي يقرأ التوراة ؛ فيستمع إلى قراءته ، وكان يعلمه الإسلام حتى أسلم ، فعند ذلك قالت له قريش : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، ولو كان ما ذكروا أنه كان يعلمه الإسلام فأسلم ؛ فلقائل أن يقول : كيف فهم ذلك الرجل منه لسان (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولسانه غير لسانه؟! على ما أخبر ؛ لكن يحتمل أن يكون ذلك في القرآن ؛ حيث قالوا : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) ، ثم يقولون : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ؛ فيقول ـ والله أعلم ـ : إنه كيف علمه هذا القرآن ، وهو لا يفهم من لسانه إلا يسيرا منه ؛ فأنتم لسانكم عربي لا تقدرون أن تأتوا بمثله ، ولا بسورة من مثلها ، ولا بآية ؛ فكيف قدر على مثله من لا يفهم لسانه ، ولا كان ذلك بلسانه؟! يخرج ذلك على الاحتجاج عليهم.
وبعد ، فإن في قولهم ظاهر التناقض ؛ لأنهم قالوا : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) ، ثم قالوا :
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١٩٣٣) وابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٧) ، وهو قول عكرمة وقتادة والسدي وغيرهم.
(٢) في أ : سنن.