لذلك يبقى على الإيمان على ما كان ؛ لما لم يوجد منه اختيار الكفر.
فإن قيل : أليس أمرنا أن نقاتل أهل الكفر ؛ ليسلموا ، وذلك إسلام بإكراه؟! وعلى ذلك نطق الكتاب ، وهو قوله : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦] ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا : لا إله إلا الله» (١) ، ثم إذا أسلم لخوف السيف ـ كان إسلامه إسلاما في الظاهر ما يمنع كذلك أنه إذا أكره على الكفر ، فأجرى كلمة الكفر على لسانه ـ كان كفره كفرا في الظاهر ؛ فيحكم بكفره كما حكم في الإسلام على الإكراه ؛ فما الفرق فيه؟!
قيل : إن ذلك كان يجيء إلا أن الله ـ تعالى ـ أعفى عباده عن ذلك ؛ فأبقاهم على الإيمان وحكمه ، وإن أظهروا بلسانهم كلام الكفر بعد أن تكون قلوبهم مطمئنة بذلك ؛ فضلا منه ونعمة ، وإلا : القياس أن يحكم بحكم الكفر إذا تكلم بكلام الكفر ، وأمّا الطلاق والعتاق والنكاح ونحوه ، وهو ظاهر على ما تكلم به ، عامل واقع ؛ لأن الطلاق والعتاق ونحوهما ممّا يتعلق بالكلام نفسه لا بغيره ، فهو ـ وإن أكره على ذلك ـ فهو مختار للتكلم به ، قاصد له ؛ لأن المكره لو أحب أن يستعمل لسانه بالتكلم بما ذكر ما قدر عليه ؛ دل أنه على الاختيار يتكلم ، وأما البيع والشراء ونحوه لم يتعلق بالكلام نفسه ؛ إذ قد يكون
__________________
(١) حديث أبي هريرة :
أخرجه البخاري (٣ / ٢٦٢) كتاب : الزكاة ، باب : وجوب الزكاة ، حديث (١٣٩٩) ، ومسلم (١ / ١٨٠) [أبي] كتاب : الإيمان ، باب : الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، (٣٤ / ٢٠) ، وأبو داود (٣ / ١٠١) كتاب : الزكاة ، باب : على ما يقاتل المشركون ، حديث (٢٦٤٠) ، والترمذي (٤ / ١١٧) كتاب : الإيمان ، باب : ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، حديث (٢٧٣٣) ، والنسائي (٥ / ١٤) كتاب : الزكاة ، باب : مانع الزكاة ، وابن ماجه (٢ / ١٢٩٥) كتاب : الفتن ، باب : الكف عمن قال لا إله إلا الله ، حديث (٣٩٢٧) ، والشافعي (١ / ١٣) باب الإيمان والإسلام ، عبد الرزاق (٦ / ٦٧) كتاب : أهل الكتاب ، باب : أقاتلهم حتى يقولوا : (لا إله إلا الله) ، حديث (١٠٠٢٢) ، وأحمد (٢ / ٣٤٥) ، وابن الجارود (ص ـ ٣٤٣) ، باب : فيما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالدعاء إلى توحيد الله عزوجل والقتال عليها ، حديث (١٠٣٢) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٣ / ٢١٣) كتاب : السير ، باب : ما يكون الرجل به مسلما ، وابن سعد في الطبقات ، والدارقطني (١ / ٢٣١ ، ٢٣٢) كتاب : الصلاة ، باب : تحريم دمائهم وأموالهم إذا تشهدوا بالشهادتين ، حديث (٢) ، والحاكم (١ / ٣٨٧) كتاب : الزكاة ، وأبو نعيم في الحلية (٣ / ٣٠٦) ، وابن حبان (١٧٤) ، من طريق عن أبي هريرة.
أما حديث ابن عمر :
أخرجه البخاري (١ / ٢٢) كتاب : الإيمان ، باب : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم حديث (٢٥) ، ومسلم (١ / ٥٣) كتاب : الإيمان ، باب : الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ... (٣٦ / ٢٢) ، والدارقطني (١ / ٢٣٢) ، والبيهقي (٣ / ٩٢).