استعماله ، وذلك بفضله ومنّه.
(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً).
ومن شرح صدره بالكفر فهو كافر به إن كان ليس على الإكراه ؛ لما ذكرنا أنه باختياره الكفر ينشرح له الصّدر لما لا يعمل الإكراه على القلب.
(فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
ظاهر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ).
أي : ذلك الغضب والعذاب بأنهم.
(اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ).
يحتمل وجهين :
أحدهما : استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ؛ جحودا وإنكارا ، وإلا نفس الاستحباب قد يكون من المؤمن ؛ فلا يزيل (١) عنه اسم الإيمان ؛ كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى قوله ـ تعالى ـ (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] ؛ فلم يزل عنهم اسم الإيمان باختيارهم واستحبابهم الحياة الدنيا ؛ فدلّ أن الأول عن الجحود له والإنكار ، وهذا على الميل إليه دون الجحود ؛ أو أن يكون كذلك لما لم يروا الآخرة كائنة لا محالة ولكن ظنّا ظنّوا لعلها كائنة ؛ كقولهم : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية : ٣٢] وأمّا أهل الإسلام فإنهم لم يكونوا فيها ظانين [متشككين](٢) ؛ ولكن متحققين مستيقنين ؛ فاستحقوا بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
وقت اختيارهم الكفر ؛ [لأن الله](٣) لا يهدي القوم المختارين الكفر على الإيمان ؛ وقال ذلك لقوم علم الله أنهم يختارون الكفر ، وأنهم يموتون على الكفر ؛ فلا يهديهم (٤).
__________________
(١) في أ : يزول.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : أو أنه.
(٤) أي : ذلك الارتداد إنما حصل لأجل أنه ـ تعالى ـ ما هداهم إلى الإيمان ، وما عصمهم عن الكفر.
قال القاضي : المراد : أن الله ـ تعالى ـ لا يهديهم إلى الجنة ، وهذا ضعيف ؛ لأن قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)[النحل : ١٠٧] ، معطوف على قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ)[النحل : ١٠٧] ؛ فوجب أن يكون قوله : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)[النحل : ١٠٧] ، علة وسببا موجبا لإقدامهم على ذلك الارتداد ، وعدم الهداية يوم القيامة إلى الجنة ليس سببا لذلك الارتداد ولا علة ، بل كسبا عنه ـ